شبح الحرائق يطارد مزارعي الزيتون في جبل الحلو.. فهل من إجراءات احترازية؟
غسان فطوم
كل المؤشرات تدلّ على أن موسم الزيتون سيكون جيداً هذا العام، إن لم يحصل ظرف مناخي طارئ، فمن يتجوّل في كروم الزيتون سيشاهد كثافة البراعم الزهرية التي ستتفتح قريباً في بساتين ريف حمص الغربي، وتحديداً في منطقة جبل الحلو، التي تضمّ قرى فاحل وشين وبرشين والمرانة وحداثة والمتعارض وعرقايا والمحفورة وجب البستان والصويري وجبلايا وحاصور، وغيرها من القرى الجميلة التي تشتهر بزراعة الزيتون بشكل خاص، إضافة إلى التفاح والكرمة واللوز والرمان.
الحرارة الشديدة
ولكن البشائر بموسم خيّر لم تمنع المزارعين، الصغار منهم والكبار، من القلق خشية تقلبات الظروف المناخية، فالطقس “لم يستقر بعد”، بحسب قول المزارع محمد أبو بسام، حيث يتخوّف كغيره من الفلاحين من الارتفاع الشديد للحرارة أثناء فترة تحول البراعم إلى أزهار، فموجة الحرّ تؤدي إلى موت البرعم أو الزهرة، مشيراً إلى أن أشجار الزيتون في هذا الشهر تحتاج لجوّ معتدل البرودة، كونه يساعد على إنضاج البراعم.
وفي السياق نفسه، أكد المزارع مرهف خليل أبو مجد خوفه من فشل التحول الزهري إذا ما استمرت الحرارة بالارتفاع، أو هبوب رياح قوية، أو سقوط حبات البرد بشكل مفاجئ، وهذا ليس بغريب على حمص المعروفة بقوة رياحها، مشيراً إلى أن المحصول في المنطقة تعرّض لمثل هذه الظروف المناخية العام الماضي مما أدى لخسائر كبيرة في الإنتاج، علماً أن الموسم لم يكن جيداً في ذلك الحين، وهذا ما زاد الطين بلة.
غالية وفاسدة!
إمكانية تقلّب المناخ لم يكن وحدها السبب الذي يقلق الفلاحين، فمنهم من شكا من غلاء الأدوية الزراعية، وعدم توفر الجيد منها، هذا الغلاء يمنع الكثير منهم من شرائها مع المبيدات الضرورية واللازمة لمكافحة الحشرات والآفات التي تصيب الزيتون، ومنها على سبيل المثال حشرة “بسيلا” التي تصيب الأشجار خلال شهري نيسان وأيار، وخطرها يكمن في أنها تتغذى على الأزهار مما يؤدي إلى جفاف الأزهار وتساقطها وتدهور المحصول وضياع تعب موسم كامل، وهنا انتقد عدد من الفلاحين عدم قيام الإرشاديات الزراعية المنتشرة في المنطقة بأية إجراءات للوقاية من الآفات الحشرية التي تصيب أشجار الزيتون وغيرها من الأشجار المثمرة، متسائلين عن مبررات وجودها من غير فعالية، علماً أنها متخمة بالموظفين الإداريين والمهندسين الزراعيين؟!
صعوبة السيطرة
وبحسب المزارعين، يصعب القضاء على حشرة الـ “بسيلا”، فهي تغطي نفسها بالشمع الأبيض، إضافة انتشارها الكثيف في الأراضي التي تبقى دون تنظيف من الحشائش، بسبب غلاء أجور الفلاحة، حيث وصل أجر الساعة إلى 250 ألف ليرة، حتى في حال فكّر الفلاح بحصاد الأعشاب، فإن أجور اليد العاملة هي الأخرى غالية، حيث لا يقبل العامل بأقل من 10.000 ليرة في الساعة، حسب رواية البعض؛ ولتدارك المشكلة طالب الفلاحون بضرورة توفير مستلزمات الإنتاج الحاضرة بتصريحات المعنيين والغائبة بالفعل، كالمازوت الزراعي المدعوم والأدوية المكفولة، في حين تساءل بعضهم عن سرّ غياب اتحاد الفلاحين من خلال فروعه في المحافظات بتأمين جرارات لحراثة الأرض بأسعار مخفّضة بدلاً من تركهم تحت رحمة أصحاب الجرارات الخاصة الذين يحتجون دائماً بعدم توفر المازوت بأسعار مناسبة، كي يبرروا جشعهم!!
كما انتقد عدد من المزارعين غلاء غراس أشجار الزيتون في المشاتل الحكومية التي من المفروض أن تكون داعمة لهم بتأمين الغراس وبنوعية جيدة، لأن الغراس بعمر سنة إلى سنتين في المشاتل الخاصة يصل سعرها إلى نحو 15.000 ليرة وأكثر، عدا عن أنها غير معروف صنفها، الأمر الذي أدى لانحسار الأراضي الزراعية وبالنتيجة قلة الإنتاج.
الخوف الأكبر!
وكانت هناك مطالبة بمنح قروض ميسّرة عن طريق الجمعيات الفلاحية، والتوسّع بشق الطرق الزراعية والحراجية وتعبيدها من أجل سهولة استصلاح الأراضي، وسرعة نقل المحصول وسهولة السيطرة على الحرائق التي باتت كالشبح الذي يطارد الفلاحين مع اقتراب فصل الصيف، وهي تمثل الخطر الأكبر على كلّ المحاصيل الزراعية في المنطقة، وخاصة بعد انتشار ظاهرة التفحيم في الأراضي الحراجية، داعين إلى اتخاذ إجراءات احترازية لتطويق الحرائق وإطفائها بأقصى سرعة في حال حدوثها، سواء بسبب موجة الحر أو بفعل البشر، وللعلم خلال السنوات الخمس الأخيرة التهمت الحرائق مساحات كبيرة من أشجار الزيتون والتفاح والتين، وأكبرها كان في الأراضي الزراعية لقرى “رباح والمرانة وأوتان والمحفورة” وأتى على مساحة من الأراضي الزراعية والحراجية تُقدّر بألف دونم.
عتب على الوزارة
فلاحو منطقة جبل الحلو كانوا يتمنّون لو زارهم وزير الزراعة الذي اجتمع أمس مع الأسرة الزراعية بالمحافظة وبحث معها واقع تنفيذ الخطة الزراعية، وقيامه بجولة على بعض قرى ريف المحافظة الشمالي للوقوف على هموم ومشكلات الفلاحين.
مختصر الكلام، غير مقبول أن يكون الفلاح مفلس الجيوب، وغير قادر على تأمين قوت أولاده وعاجزاً عن دفع أجور حراثة أرضه وجني محصوله، في وقت تدعو فيه الحكومة في جلساتها الأسبوعية لاستثمار كافة الأراضي القابلة للزراعة، وتؤكد أن دعم القطاع الزراعي في قائمة الأولويات، لكن للأسف الفلاح ليس بخير وبات يفكر جدياً بهجر أرضه في ظلّ غياب الحلول لمشكلاته، بدءاً من الحراثة مروراً بتأمين الغراس والبذار والتقليم وصولاً إلى جني المحصول ونقله وتسويقه، تُرى ألا يكفي الفلاح “المعتر” غضب الطبيعة من أعاصير وفيضانات وجفاف؟!