الغرب يسير نحو فخٍّ مِن صنعه
تقرير إخباري
زعم رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك في قصر وستمنستر مقر البرلمان مؤخراً، أن اعتراض الطائرات المقاتلة البريطانية للطائرات دون طيار والصواريخ الإيرانية التي أطلقت ضد “إسرائيل” رداً على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، كان جزءاً من التزام بلاده “بدعم الاستقرار والأمن”، وأعلن أن القوات البريطانية كانت موجودة في الخطوط الأمامية لمواجهة أيّ تهديدات.
من جهة أخرى، يعتقد وزير الدفاع غرانت شابس أن الغرب ينتقل من عالم ما بعد الحرب إلى عالم ما قبل الحرب، وتوقّع نشوب صراع مع الصين وروسيا وإيران وكوريا الديمقراطية في غضون السنوات الخمس المقبلة. ويريد شابس الذي يدعمه العديد من الصقور في حزبه، زيادة الإنفاق العسكري ليكون جاهزاً ومنتظراً القتال، إذا ما تحققت أحلامه. وكان شابس أيضاً هو السياسي الذي اقترح، بعد زيارة إلى كييف، إرسال قوات بريطانية إلى أوكرانيا وسفن حربية تابعة للبحرية الملكية إلى البحر الأسود، وهذا يجب أن يضع حكمه مثار تساؤل.
ومع ذلك، فإن الأمر الأكثر إثارة للقلق من الخطاب السياسي هو أن عدداً متزايدة من كبار ضباط القوات المسلحة الحاليين والسابقين يروّجون للسرد القائل إن الحرب في المستقبل القريب تبدو حتمية تقريباً.. وكانوا يحثون على زيادة الميزانيات العسكرية، وزيادة أعداد الجنود والبحارة والطيارين، بل اقترحوا أيضاً إعادة إدخال التجنيد الإجباري.
وفي سياق متصل، قال قائد الجيش البريطاني، الجنرال السير باتريك ساندرز: إن الناس يجب أن يكونوا مستعدين للمساعدة في تشكيل “جيش المواطنين”، المدربين والمجهزين للقتال في هذه الحرب القادمة، مردّداً كلام شابس الذي وصف سكان المملكة المتحدة بأنهم “جيل ما قبل الحرب”. لقد مرّ أكثر من 60 عاماً منذ أن تم التخلص من التجنيد الإجباري، الذي استمر العمل به بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.
وقال تقرير صادر عن مؤسسة بحثية تضمّ رؤساء دفاع وأمن سابقين تسمّى “نيو بلتشلي”: إن على بريطانيا أن تستعدّ للحرب واقترح تشكيل “جيش أنموذجي جديد”، ودعا جنرالات سابقين وقادة سياسيين وعسكريين في المملكة المتحدة إلى زيادة الإنفاق الدفاعي. ويبدو أن عقلية الحرب هذه يتقاسمها الأميرال الهولندي روب باور، رئيس اللجنة العسكرية في حلف الناتو، الذي طلب من الدول الأعضاء إعداد مواطنيها للحرب.
عندما يُطلق صنّاع السياسات الغربيون دعواتٍ بشأن الأدوات اللازمة لفرض وحماية “النظام القائم على القواعد”، فإن ما يقصدونه هو “النظام القائم على القواعد” في الغرب. وينطبق الشيء نفسه على “الديمقراطية” التي تعدّ جيدة دائماً، ما دامت أنموذجاً للديمقراطية الليبرالية الغربية. وباعتبارهم مشتركين في الرأي القائل إننا يجب أن نعيش في عالم أحادي القطب، بقيادة واشنطن بالطبع، ومتحدّين لفكرة عالم متعدّد الأقطاب، فإنهم غالباً ما يبدون مصمّمين على فرض رؤيتهم العالمية المهيمنة، وعقليتهم الضيقة، على الآخرين بقوة السلاح، خوفاً من فقدان السيطرة عليها لمصلحة شخص آخر، وهذا هو دافعهم.
يعتقد مؤرخ القرن الخامس ثوسيديدس أن سلوك السياسيين والدول تجاه بعضها كان محكوماً بمزيج من الخوف والمصلحة الذاتية. وروى الجنرال العسكري الأثيني، الذي قاتل في الحرب ضد اسبارطة المجاورة، في كتابه “تاريخ الحرب البيلوبونيسية”، أن “ما جعل الحرب حتمية هو نموّ قوة أثينا والخوف الذي سبّبه ذلك في اسبارطة”. واليوم، يُعرف هذا باسم فخ ثوسيديدس، ويبدو الأمر كما لو أن الغرب يسير نحو فخّ من تصميمه.
عناية ناصر