هل من آليات فعالة لرفع القدرة الشرائية؟
علي عبود
مهما علت الأصوات لرفع القدرة الشرائية للعاملين بأجر، فإن هذا الأمر لن يتحقق لا في الأمد المنظور ولا البعيد طالما الحكومات المتعاقبة ستستمر بتخفيض سعر صرف الليرة؟
وإذا أردنا الدقة عند الحديث عن القدرة الشرائية فإن الأمر يقتصر على العاملين لدى الدولة، فالحكومة هي التي تقوم بإلزامهم بتقاضي أجر لا يكفي بحدّيه الأدنى والأقصى سوى لبضعة أيام.. فما الحل؟
وسيستمر الوضع على حاله ما لم تحدث مستجدات تؤدّي إلى تحسين سعر صرف الليرة، وهذا الأمر غير وارد إلا بتبني الحكومات القادمة لسياسات اقتصادية تستثمر الإمكانات الكامنة والمهدورة بما يزيد موارد الدولة من القطع الأجنبي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع والمواد بدلاً من استيرادها!
المشكلة لا تزال مستمرة منذ ثلاث سنوات على الأقل، وهي انشغال الحكومة بإدارة الموارد الضئيلة، بدلاً من الانشغال بزياداتها من خلال استثمار إمكانات الدولة الكبيرة جداً من جهة، وتفعيل التبادل التجاري بالمقايضة من جهة أخرى؟
أليس ملفتاً ومستغرباً الإصرار على الدوران ضمن دائرة الحديث عن احتكار الأسواق وارتفاع الأسعار، وتراجع الدعم، وتقنين الكهرباء والمحروقات، وكلنا يعرف بأن الحكومة ليست بوارد التوقف عن تخفيض سعر الصرف، المسؤول الأول والأخير عن كلّ هذه الأزمات والأوضاع المتردية للعاملين بأجر فقط!.
وإذا كان التنظيم العمالي خلال حواراته مع الحكومة لم يتمكّن من إقناعها في كلّ مؤتمراته الدورية وورشاته المتخصّصة بضرورة رفع القدرة الشرائية لملايين السوريين، فمن هي الجهة القادرة على فعلها؟
قد تكون الحكومة محقة بقولها إن مواردها ضئيلة، ولا يمكنها الاستمرار بدعم الناس ولا بزيادة رواتبهم، وهذا الأمر تؤكده موازنة عام 2024، لكن هل أجابت الحكومة على السؤال: ما آليات زيادة الموارد باستثمار إمكانات الدولة من جهة، وبتبني سياسات تزيد الإنتاج والتصدير؟
إن تخصيص اعتمادات للريف السوري تُقدّم عيناً كمواشٍ وغراس وشتول وأبقار وأغنام، لمرة واحدة لكل أسرة، سيؤدي حتماً إلى اكتفاء الملايين من سكان الريف من السلع الغذائية، وبيع الفائض لسكان المدن.. فهل هكذا دعم صعب على الحكومة؟
كما أن دعم المشروعات المتناهية الصغر، وتخصيص أجنحة لها في مؤسّسة “السورية للتجارة” ومساعدتها بتصدير منتجاتها سيساعد حتماً بانتشارها وتحسين القدرة الشرائية لأصحابها.. فهل هكذا دعم صعب على الحكومة؟
وبما أن الكثير من الأفكار يتيح تحويل المنشآت الخاسرة إلى رابحة مثل “السورية للمخابز” التي تستنزف المليارات من الخزينة العامة، فلماذا لا تتبنى الحكومة هذه الأفكار والمشاريع بدلاً من إهمالها أو إقصاء أصحابها عن الضوء وصناعة القرار،.. فهل هكذا دعم للمشاريع المدرّة للأموال صعب على الحكومة؟
وبما أن الحكومات المتعاقبة، دون استثناء، تتعامل مع القطاع العام كعبء على الاقتصاد على الرغم من أن بياناته الختامية للعام 2023 تكشف أنه رابح، وبما أنها ترفض منذ تسعينيات القرن الماضي تطويره وتحديثه، فلماذا لا تحوله إلى شركات مساهمة تُدار بعقلية القطاع الخاص فتدرّ القطع الأجنبي وتزيد الإنتاج والتصدير، وترفع القدرة الشرائية للمكتتبين على أسهمها وللعاملين فيها، فهل هكذا تحديث صعب على الحكومة أم لا تريد؟!
الخلاصة: إمكانات الدولة كبيرة، والخيارات أمام الحكومة كثيرة لتحسين سعر الصرف وزيادة موارد القطع وتصنيع بدائل المستوردات وزيادة الصادرات، وكلها لو تبنّت الحكومة بعضها فقط سيعزّز الاقتصاد الوطني ويزيد من القدرة الشرائية لكل السوريين، وخاصة ملايين العاملين بأجر.