أنطون مزاوي: لا تسطيح في الفنّ والتصوير الضوئي ليس كبسة زر
أمينة عباس
ما بين أول صورة فوتوغرافية التقطها عام 1996 لسبيل ماء داخل بيت خالد العظم وآخر صورة التقطها هذا العام لتمثال الشهيد يوسف العظمة في ساحة المحافظة والتي كانت ضمن معرضه الأخير الذي احتضنته صالة الشعب للفنون الجميلة تحت عنوان “أحب دمشق هواي الأرقّ” ظلّ الفنان أنطون مزاوي منصتاً بشكل جيد لشغفه بالتصوير الضوئي، ومخلصاً لدمشق التي اعتاد تصويرها بروحه وقلبه قبل عدسة كاميرته لأن التصوير بالنسبة إليه وسيلة للتعبير والنص البصري الذي يتقنه.
يقول مزاوي في حوارنا معه: “كلّ المعارض السابقة لي لها أهمية كبيرة عندي، لكن يبقى لمعرض “أحب دمشق هواي الأرقّ” الحصة الأكبر من هذا الحب”، والسبب أنه عن دمشق الآسرة التي صوَّرها آلاف الصور، متنقلاً بين أمكنتها ومواقعها المدهشة والجميلة غير المنظورة من قبل الناس، وحين بدا له من خلال معارضه أن الناس عادةً لا يدقّقون كثيراً بالتفاصيل صار حريصاً في كلّ صوره على الوقوف عند تفاصيل التفاصيل التي قد لا ينتبه إليها المُشاهد العادي، وهذا ما يجعل صوره عبارة عن لوحات فنية عالية المستوى، تضجّ بروحها وحيويتها ولغتها البصرية، وهي حالة لا يمكن للمصور برأي مزاوي أن يصل إليها إلا إذا أحبّ ما يرسمه وكان مؤمناً بما يقوم به، حينها “تنقلب الصورة الفوتوغرافية إلى لوحة”، وفي الوقت ذاته لا يخفي وجود فارق بين الصورة واللوحة قائلاً: “يستطيع الفنان التشكيلي في لوحته تعديل وإلغاء وإضافة ما يراه مناسباً لموضوعه، أما في الصورة فهناك لحظة آنية على المصور ملاحقتها والتقاطها ضمن شرطها الفني الذي يختلف بين صورة وأخرى، وكلّ صورة من صور المعرض ولِدَت بلقطة واحدة لم تتكرر، عدا صورة باب جيرون التي احتجتُ لاختيار الشرط الفني المناسب لها في عشرات المحاولات لتظهر بشكلها النهائي الموجود في المعرض”.
ويضمّ المعرض 25 لوحة، عبّر مزاوي من خلالها عن دمشق وعن الحب الذي يكنّه لها، وتعود أقدم صورة موجودة في المعرض لعام 1996 وأحدثها يعود إلى هذا العام، وقد بدا واضحاً من خلال صور المعرض أنّ الشكل الفيزيائي لموضوع الصورة لا يعنيه بقدر ما يعنيه البعد الماورائي وما توحي به والمزج أثناء التصوير بين الرؤية والرؤى والقدرة على قراءة الواقع والمكان لالتقاط الجمال المخبأ فيه، لا ليقدّم مجرد صورة بل لوحة بكل ما تعنيه الكلمة، وخاصة عندما يكون الفنان متصالحاً مع ذاته وأدواته والبيئة التي يعمل عليها، وهذا ما يتمتع به مزاوي.
وردّاً على سؤالنا له عن العلم الفوتوغرافي أجاب: “يعتقد البعض بأنّ التصوير الضوئي لا يحتاج إلا لكبسة زر، في حين أن العلم الفوتوغرافي علم واسع، وأهم أداة فيه العدسات، فلكل عدسة تعبيرها وإيحاؤها، وبالتالي لا يمكن لعدسة أن تحلّ محل عدسة في العمل، وتكمن مهارة الفنان المصور وحرفيته في قدرته على توظيف كلّ عدسة في مكانها حسب الموضوع والحالة التي يطمح إليها، لذلك صوَّرتُ صور المعرض الـ25 بأكثر من 15 عدسة، فكانت كل صورة مختلفة عن الثانية”.
ولأن ما عرضه في المعرض يتجاوز مفهوم الصورة لقدرته على تقديم عوالم المكان والإنسان يقول مزاوي: “الوصول إلى هذه المرحلة يحتاج لمثابرة ومحاولة اكتشاف المكان أكثر من مرة على صعيد الشكل والمضمون، وتوظيف عنصر الضوء بالشكل الصحيح لأنه من العناصر التي لا تخدم التعبير فقط بل يكون في بعض الأحيان التعبير ذاته يترك أثراً كبيراً”، مؤكداً أن أهم مطبات التصوير الضوئي الاستسهال الذي تقع به الأغلبيّة وعدم الدخول في عمق العناصر والأشياء: “في الفنّ لا توجد سطحيّة، وتسطيح أي فنّ يجعله مثل أي شيء آخر، في حين أن الصورة لغة لها مفرداتها ونصها البصري، لذلك فإن كل ما أقمتُه من مَعارض كانت بالنسبة لي مشاريع حقيقية فناً وفكراً، وقد عملتُ عليها لسنوات طويلة، وما يزال في جعبتي الكثير من هذه المشاريع التي تنتظر التمويل”، موجهاً الشكر إلى نقابة المحامين التي رعت المعرض بالتعاون مع اتحاد التشكيليين، كذلك نقيبها الفراس فارس الذي آمن بالتجربة ودور النقابة كداعم للفنّ: “يجب على النقابات والجمعيّات والشّركات والمؤسّسات أن تخطو هكذا خطوة في تشجيع الفن وترسيخه في مجتمعنا”.
وفي جوابه عن سؤال “ما هو السبيل إلى تطوير فن التصوير الضوئي؟” يشير إلى أن ألمانيا كانت هي الرائدة في هذا المجال عندما درَّست التصوير الفوتوغرافي في إحدى جامعاتها عام 1919 في حين تكاد تغيب الدراسة الأكاديميّة له عن جامعاتنا حتى اليوم: “ما ينقصنا هيكلة الموضوع، وقد درّستُ هذا الفن في إحدى الجامعات، لكنني لم أستمر لعدم وجود مناهج أو كتب حول هذا الموضوع، ولسدّ جزء من هذا الخلل أساهم بإقامة ورشات عمل للشباب والطلّاب الجامعيّين لتأكيد أن الفن يجب أن يكون غاية فنيّة ثقافيّة”، واصفاً نفسه بأنه إنسان بسيط محبّ للفن وناقد قاسٍ لما ينجزه، وأنه يستمدّ موضوعات صوره من الحياة.
وبالعودة إلى البدايات، يذكر أنطون مزاوي أن الرسم استهواه في طفولته، وبسبب عدم تشجيع المحيطين به اتجه إلى التصوير بعد أن اقتنى كاميرا وبدأ خطوةً خطوة، لتكون البداية الحقيقيّة له في بداية التسعينيّات، وبعد سنوات عدة من التجربة والممارسة أقام معرضه الأول الذي حمل عنوان “بورتريه” عام 1998 ثم معرض “نساء شرقيّات” عام 2002 ومعرض “طقس الدراويش” عام 2007 الذي قدّم فيه بحثاً بصرياً عن طريقتين من طرق الصوفيّة: الرفاعيّة والنقشبنديّة، ثم معرض “الرموز البصرية في أبواب الدور الدمشقيّة” عام 2019 وصوره مقتناة في أهم متاحف العالم، والصورة الفوتوغرافيّة الوحيدة له في المتحف الوطني عن امرأة من القلمون مع طفلها اقتُنيت عام 2002.
نال المزاوي العديد من الشهادات والجوائز العالمية، نذكر منها: الجائزة الأولى في مسابقة المرأة والتنمية التي أقامتها الأمم المتحدة عام 2003 وجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مسابقة حال الأرض في بداية الألفية التي نظمتها الأمم المتحدّة عام 2000 وخاض تجربة التحكيم في أكثر من مسابقة، وهو محكّم دائم في المعرض التشكيلي السنوي لوزارة الثقافة وعضو دائم في لجنة الفوتوغراف في الاتّحاد العربي للثقافة، ومحكّم في مسابقات الاتّحاد العربي للثقافة.