انسحابٌ لا مفرّ منه
تقرير إخباري
أفادت تقارير إعلامية أمريكية بأن نائب وزير الخارجية الأمريكي كيرت كامبل التقى رئيس وزراء النيجر علي مهمان لامين زين في واشنطن مؤخراً، ووافقت الولايات المتحدة على طلب النيجر انسحاب القوات الأمريكية.
وكانت النيجر ولفترة طويلة، بمنزلة محور استراتيجي للولايات المتحدة وفرنسا في حربهما المزعومة ضد الجماعات الإرهابية في المنطقة. ووقّعت الولايات المتحدة والنيجر ضمن هذا السياق اتفاقية تعاون عسكري في تشرين الأول 2015 تسمح للولايات المتحدة باستخدام المنشآت العسكرية داخل النيجر من أجل “العمل معاً في الحرب ضد الإرهاب”. وتمتلك الولايات المتحدة حالياً قاعدتين عسكريتين في النيجر، حيث يتمركز هناك حوالي 1100 جندي. ومن بين هذه القواعد، القاعدة الجوية الأمريكية دون طيار، والقاعدة الجوية 201، بالقرب من أغاديز، في النيجر، التي تم بناؤها بتكلفة تجاوزت 110 ملايين دولار، فلماذا توافق الولايات المتحدة على سحب قواتها فجاءة من هذه القاعدة العسكرية المهمة لمكافحة الإرهاب في غرب إفريقيا حسب زعمها؟ إن القرار الذي اتخذته واشنطن بسحب قواتها من النيجر كان بمنزلة خطوة متردّدة تماماً.
شهدت منطقة غرب إفريقيا في السنوات الأخيرة تكراراً لانقلابات عسكرية، وقد تأثرت هذه السلسلة من الأحداث بعوامل مثل جائحة كوفيد-19، والصعوبات في سبل العيش، وزيادة الأنشطة الإرهابية، فضلاً عن استياء قادة الانقلاب من الأنظمة السابقة. وهو ناجم أيضاً عن المشاعر المعادية لوجود قوى خارجية، مثل فرنسا والولايات المتحدة، في المنطقة وعدم فعالية “جهودهما في مكافحة الإرهاب”. علاوة على ذلك، وفي أعقاب الانقلاب، طالبت الحكومات العسكرية التي تولت السلطة في العديد من هذه البلدان فرنسا والولايات المتحدة بسحب قواتهما.
وبدأت فرنسا بنشر قوات في مالي ومنطقة الساحل تحت شعار “مكافحة الإرهاب” في أوائل عام 2013. وفي آب 2014، نشرت آلاف القوات في عملية “برخان”، وحذت الولايات المتحدة حذوها في تشرين الأول 2015 بنشر قوات في النيجر.
لا شك أن “مكافحة الإرهاب” ليست الهدف الوحيد للقوات الفرنسية والأمريكية المتمركزة في النيجر، فهم موجودون هناك أيضاً للحدّ من نفوذ روسيا والصين في المنطقة، وكذلك السيطرة على موارد اليورانيوم الغنية في النيجر.
بعد نحو عشر سنوات من وجود القوات الفرنسية والأمريكية، كانت النتيجة أن المنطقة أصبحت تغرق بشكل متزايد في المزيد من الفقر والفوضى والأنشطة الإرهابية. فبدلاً من الانخراط في تعاون متساوٍ وفعّال مع البلدان الإفريقية في مجال التنمية الاقتصادية والعسكرية، تدخلت فرنسا والولايات المتحدة في الشؤون الداخلية لهذه البلدان ودبلوماسيتها، وهذا يجعل السكان المحليين لا يرون أي أمل في الأمن والتنمية، ما يؤدّي إلى تزايد المشاعر المعادية لهما بين الناس في هذه البلدان الإفريقية ومعارضة سياسات حكومتهم “المؤيدة لفرنسا والولايات المتحدة”.
وضمن هذا السياق، عبّر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال زياراته إلى مالي عام 2023، عن مبدأ “الحلول الإفريقية للمشكلات الإفريقية”، الذي بموجبه تتفق دول القارة على الطريق إلى الأمام دون أن يحاول أي لاعب خارجي فرض أي قرار عليها.
إن ما يحدث في غرب إفريقيا ليس حالة معزولة، حيث أصدرت العديد من الدول الإفريقية ودول الجنوب العالمي أصواتاً واضحة تدعو إلى الاستقلال والاعتماد على الذات، فضلاً عن التعبير عن معارضتها لسياسة القوة والتدخل الأجنبي، ودعمها للسياسة الخارجية القائمة على المساواة والتنوّع وتعزيز العولمة الاقتصادية الشاملة.
عناية ناصر