دراساتصحيفة البعث

خطط الصين لاستبدال السندات المالية بالذهب

ريا خوري

ما زال خبراء المال والبنوك والاقتصاد ورجال  السياسة في العالم  يتساءلون عن سبب السعي الدائم لجمهورية الصين الشعبية إلى شراء الذهب، كما نشأ العديد من التساؤلات المهمة حول سعي الصين إلى الدفع  بقوة في اتجاه الارتفاع الكبير للذهب وهو أغلى المعادن.

لقد كان الجواب الصريح عند (مجلس الذهب العالمي)، وهو منظمة عالمية متخصّصة في سوق الذهب، حيث تهتم في هذا المجال الاقتصادي بكل جوانبه، ويتألّف من الشركات الرئيسية العاملة في مجال تعدين الذهب، ويعود تأسيسه إلى عام 1987م، ويتخذ من لندن مقرّاً له. هذا المجلس أصدر العديد من البيانات والتقارير التي تبحث عن سبب ارتفاع مشتريات جمهورية الصين الشعبية من الذهب التي وصلت إلى نسبة ثلاث وثلاثين بالمائة في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي. وفي الوقت نفسه خفّضت الصين مشترياتها من سندات الخزانة الأمريكية واستخدمت العديد من البدائل للسندات المالية الأمريكية. ‏وفي العام الماضي، بلغ صافي مشتريات بنك الشعب الصيني مئتين وخمسة وعشرين طناً من الذهب، وهو الأعلى عالمياً على الإطلاق.

الجدير بالذكر أن الصين ليست الدولة الوحيدة في العالم التي تشتري الذهب بكميات كبيرة، وليست هي البنك المركزي في هذا المجال، فقد استحوذت جميع البنوك المركزية في العالم على  حوالي ألف وسبعة وثلاثين طناً من الذهب العام الماضي على أساس صافٍ، وهو ثاني أعلى مستوى استحواذ في العالم على الإطلاق. فالاقتصاديون ورجال المال والمصرفيون والبنوك المركزية لديهم رؤية صائبة ودقيقة لمستقبل المال والاقتصاد في العالم، فهم يتابعون عن كثب ما يحدث للعملات الاحتياطية الرئيسية في البنوك المركزية العالمية، وخاصة الدولار الأمريكي، كما لديهم التقارير والمعلومات الدقيقة والموثقة حول الديون التي تتصاعد بشكلٍ غير مستدام ولا توجد خطط أو توجّهات أو تطلعات لفعل أي شيء حيال ذلك. ومع ارتفاع أسعار الفائدة، والفائدة المركّبة فإن تكلفة الفائدة لخدمة الدين الحكومي ترتفع بسرعة غير معهودة وقد تطغى على الضرائب في البلاد في الأعوام القليلة القادمة، وهذا يمكن أن يؤدّي إلى أزمة العملة في العالم.

‏من جهتهم، يدرك محافظو البنوك المركزية بما يملكون من علم ومعرفة في مجال النقد والمصارف أنهم في حاجة ماسّة وضرورية إلى خطة بديلة سريعة، ولهذا السبب يشترون الذهب بكمياتٍ كبيرة.

ما يجري في الصين هو أن العقل المصرفي الصيني والخبرة المالية العالية، وبعد المرور بتجربة خاصة في مجال السندات المالية غيّر وجهته، لأنّ كبار التجار والطبقة المالية الوسطى فيها غيّرت عادتها الادّخارية واتّجهت نحو الذهب، ولهذا أسباب عديدة، فقد قامت الطبقة المالية المتوسطة الصينية بتجميع مدخراتها عن طريق شراء العقارات والمحلات التجارية الضخمة والمتوسطة والشقق السكنية بشكلٍ رئيسي، ما أدّى إلى خروج هذا النوع من الادّخار من النافذة المالية، وانهارت أسعار العقارات وانهار معها ملايين الشقق الفارغة، وخاصة أنّ العديد من الإحصائيات والدراسات قد أشار إلى أنه من المتوقع أن ينخفض ​​عدد سكان جمهورية الصين الشعبية بشكلٍ كبير في العقود القليلة القادمة، وهكذا بدأت شركات العقارات تنهار بشكلٍ ملحوظ. المستثمرون ورجال الأعمال الذين عملوا في هذا المجال والذين التزموا بشراء العقارات بكثافة بناءً على المخططات يُترَكون مع مبانٍ نصف مكتملة وشقق غير مكسوّة، ولا يحق لهم الرجوع عن ذلك، وهكذا  انتهى الاستثمار العقاري في الصين.

أيضاً يعدّ سوق الأسهم الصينية وسوق الأسهم في هونغ كونغ من الأسواق الضعيفة في أدائها في عامي 2023 و2024م. لذا فإنّ المستثمرين يتجنبون ذلك خوفاً من الانهيار، ويُنظر إلى السياسات المالية والنقدية غير الصديقة للأعمال التي تنتهجها الإدارة المركزية على أنها ضعيفة بالنسبة للتعامل بالأسهم المالية. ولم تعُد سوق الأوراق المالية النقدية المنطقةَ التي يرغب الصينيون في استثمار مدّخراتهم فيها حفاظاً على مستقبلهم المالي والاقتصادي، لذا فإنّ الذهب يبقى لهم مصدراً  أساسياً ومهمّاً للاحتفاظ بالقيمة الشرائية، وهذا السبب الجوهري لارتفاع مبيعات المصوغات الذهبية والمجوهرات الثمينة وسبائك الذهب في الصين بنسبة ستين بالمائة سنوياً، لأنّ المواطن الصيني العادي من الطبقة المتوسطة يلجأ إلى تخزين مدّخراته الفائضة عن حاجته في الذهب.

إن السياسة المالية والبلدية والاقتصادية لجمهورية روسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية تهدف في نهاية المطاف إلى الإطاحة بالدولار الأمريكي واستبداله بالروبل الروسي واليوان الصيني، بمعنى أنهما تريدان جعل الذهب والفضة والمعادن الثمينة المال الحقيقي مرّة أخرى، وهي الأصول الثابتة التي لا يمكن طباعتها إلى ما لا نهاية، كما تفعل مطابع النقود الأمريكية التي لا تتوقف، لذا تبقى الأصول الصلبة التي لدى الصين وروسيا الاتحادية هي الأصول الصلبة التي ينتجونها وهي مهمّة عالمياً.

‏وتعلم القيادة السياسية والمالية في كل من الصين وروسيا الاتحادية أنّ قوة الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد على الدولار الأمريكي فقط، وعندما يفقد الدولار قوته الشرائية ستفقد الولايات المتحدة الأمريكية سيطرتها على النظام المالي العالمي، وبدلاً من الحروب التقليدية فيما بين الطرفين، فإن هذه حرب مالية ساخنة تؤجّج أسعار الذهب وتفسح المجال للاستئثار به.