معن الغادري
غالية خوجة
الموت حق، وجميعنا نوقن بحقيقته، ولا يسعنا إلاّ الصبر وترديد “إنا لله وإنا إليه راجعون”، وكم فقدت حلب الشهباء، هذه الفترة القصيرة، من أعلام في الأدب والإعلام والفكر، ومنهم الزميل معن الغادري مدير مكتب “دار البعث” في حلب، صاحب كلمة الحق الوطنية والموضوعية والحياتية عبْر مسيرته الإعلامية والكتابية.
ومن مآثره، أسلوبه في كيفية تناوله، بشفافية وحساسية، الكثير من المواضيع في أعماله من تحقيقات وزوايا أسبوعية وتغطيات ومقالات، كاشفاً عن الإيجابيات وسواها، ومضيئاً الطموح بالعمل من أجل أن تكون الحياة أجمل بكل مستوياتها وبناها وتشابكها واحتمالاتها القادمة، خصوصاً، في حلب الشهباء.
عرفت معن الغادري من خلال حضوره الفاعل في حلب، وزياراتي لمكتب جريدة “البعث” في منطقة السبع بحرات مرات عدة، منذ أكثر من ربع قرن، وكانت هذه المنطقة الإعلامية تضمّ أزاهير الكلمة الجميلة، ففيها مقرّ فرع وكالة الأنباء السورية “سانا”، وجريدة “الثورة”، وقريباً منها جريدة “الجماهير”، وحواليها الجهات الثقافية المتنوعة.
وكان عمراً من الزمن الجميل مع الزملاء وأحاديثنا الثقافية الحالمة دائماً بالتطوير المستدام، لكنها الحرب الإرهابية الظالمة التي انتصرنا عليها والحمد لله دائماً منتصرين، الحرب اللعينة التي عبّرت عن كثافة الحقد الظلامي الكوني تجاه وطننا الحضاري، الذي يظلّ لنا بماضيه وحاضره ومستقبله، وكلنا محبّة حريصة عليه، نبنيه بقلوبنا النابضة، وبأرواحنا المخلصة حتى بعد الموت.
وازدادت معرفتي بالإعلامي الكاتب معن الغادري أكثر، عندما عدت من الإمارات العربية المتحدة، وأصبحت من فريق عمل “دار البعث”، وجريدتنا المميزة “البعث” في حلب، بكل ما فيها ومن فيها، وما تتسم به من رقي وموضوعية وحرية وحضارة وجمال يبني الإنسان والزمان والمكان.
ولمست كيف الشعرية الواقعية الحضارية وثقافة العمل كفريق واحد هي الأجنحة المحورية التي نحلّق بها في كل الفضاءات بحرية ليست غريبة عن “دار البعث”، ولا عن وطننا العربي السوري.
وكان أن التقيت بالزميل الإعلامي الذي لن ينساه تاريخ حلب الشهباء، ولا التاريخ الإعلامي السوري، كزملاء عمل، وكم كان خلوقاً وشفافاً ومهذباً وطيباً وواعياً وحضارياً وشهماً، رحمه الله، ولم يترك في أرواح جميع الذين يعرفونه أو يقرؤونه سوى هذا الأثر الطيّب الراقي الذي لا ينفصل عن كلماته ومعانيها، ويتناغم مع أعماله ومواقفه المشرقة على كل الصُعد الإنسانية والمهنية والإعلامية والوطنية والإبداعية، كيف لا وهو ابن أسرة عريقة، ووالده كان شاعراً وإعلامياً أيضاً، رحمهما الله.
لن ننساك أيها الأخ الزميل معن، وسنذكر أن الله كتب يوم موتك في يوم الجلاء ذاته (17/4)، لكنني لم أتوقع ذات لحظة، أن أرى تابوتك يسبقنا إلى المقبرة الحديثة، رحمك الله، كما لم أتوقع لحظةً أن أدفن أبي وأمي رحمهما الله وأمواتكم، لكنه الموت حق، ونطلب من الرحمن الرحيم الرحمة فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض، وإنا لله وإنا إليه راجعون، وأطال الله أعماركم.