ادّعاءات الغرب الأخلاقية تتلاشى
عائدة أسعد
بات من الواضح أن حقيقة الوعظ الأخلاقي والغطرسة الغربية مجرّد خدعة تقوم على المعايير المزدوجة والمصلحة الذاتية وهي غير موجودة وتبيّن أنها كانت عبارة عن بيت من ورق.
لقد كانت هناك بعض التلميحات لطبيعة الوعظ الأخلاقي الفارغ لدى الغرب في وقت سابق، وكانت أوضح حالة هي الكذب العلني حول “حادثة خليج تونكين”، التي أدّت إلى الحرب في فيتنام، مع مقتل الملايين وأغلبهم من الفيتناميين في إراقة الدماء اللاحقة، ومرت عقود من الزمن من الراحة ثم تلقت ضربة أخرى عندما استهزأت الولايات المتحدة بحكم محكمة العدل الدولية بشأن تمويلها قوات الكونترا في نيكاراغوا خلال الثمانينيات.
ومع ذلك، فإن هذا القرن هو الذي شهد الطبيعة الفارغة والكذب الساخر لـ”الأخلاق الغربية” المكشوفة.
ففي غضون سنوات قليلة من هذا القرن، ظهرت الأخلاق التي تخدم المصالح الذاتية بالكامل، فقد كان الجميع في ذلك الوقت يعلمون أنه لم يكن لدى العراق أسلحة دمار شامل، ولا أيّ تورط في أحداث 11 أيلول وخرج مئات الآلاف في مدن العالم وكانت هتافاتهم ولافتاتهم تشير إلى أنهم يعلمون أن أسباب الحرب ليست سوى تلفيق، ومع ذلك، ومع تدفق الأكاذيب بسرعة، انضمّ الثلاثي بوش وبلير وهوارد إلى قضية أخلاقية عظيمة كما سمّوها، وعجزوا عن الحصول على الدعم من الأمم المتحدة، التي صدّقت خبيرهم هانز بليكس، وقرّروا خوض الحرب، وتلا ذلك سنوات من الجحيم، التي شوهدت بوضوح في التدمير المطلق للفلوجة.
وبعد ذلك، لم يتم العثور على أسلحة الدمار الشامل وحطم القادة الثلاثة القانون الدولي وساروا بشكل ساخر إلى حلبة المتحدثين العالميين بمكافآتهم المربحة، وفي أفغانستان تم أيضاً ارتكاب المزيد من الفظائع وكانت الخسارة النهائية على يد أعظم آلة عسكرية في العالم، وبعد تلك الأحداث دقّ ناقوس الموت للأخلاق الغربية المهتزة والمكشوفة بالفعل.
غير أن إذعان الغرب للمذبحة التي راح ضحيتها حوالي 34.000 فلسطيني في هذه المرحلة، قد أوضح تماماً خواء أيّ ادعاءات غربية بالأخلاق، وقد تُرك الأمر لجنوب إفريقيا وحلفائها من الجنوب للقيام بالمهمة الثقيلة، لتذكير العالم بوجود شيء اسمه الأخلاق والقانون الدولي، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالإبادة الجماعية.
وبطبيعة الحال، كان الغرب غائباً عن دعمه لاتهامات جنوب إفريقيا، حيث رفضها أنتوني بلينكن باعتبارها عديمة القيمة ومثيرة للاشمئزاز، وبينما أشار رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز بشكل جدي إلى أن هذه القضية كانت بمنزلة انحراف غير ضروري عن المهمة السياسية المتمثلة في السلام الدائم، لكنه لم يفعل أي شيء لتأمين هذا السلام، وبالتالي فإن هذه التصرّفات أو عدم التصرّف بشكل أفضل تتناقض بشكل صارخ مع اندفاع الغرب لدعم أوكرانيا في قضيتها المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية، ليتكشف بعد ذلك كله أن الأخلاق الغربية عمياء عن المعايير المزدوجة.
ولا بدّ من التنويه أنه في اليوم الذي أصدرت فيه محكمة العدل الدولية إجراءاتها المؤقتة ضد “إسرائيل”، زعمت الأخيرة أن الأونروا منظمة تتعاطف بشدة مع حركة المقاومة حماس، ودون تقديم أدلة، اتهموا 190 من موظفي الأونروا الذين يزيد عددهم على 30.000 (13.000 منهم في غزة) بالتصرّف بشكل غير لائق، حتى إن 12 منهم شاركوا في أحداث 7 تشرين الأول، وفجأة عادت الهوائيات الأخلاقية للغرب إلى الحياة، وقرّر قطع مساعداته المالية للأونروا، ناهيك عن أن 25% من سكان غزة يتضوّرون جوعاً، و75% فقدوا منازلهم، ولا يستطيعون الحصول على المياه الصالحة للشرب، مع تفشي الأمراض.
إن المؤشر الأخلاقي للغرب يفوق في انحطاطه 30 ألف قنبلة على قطاع غزة ألقاها الجيش الإسرائيلي الذي يصفه قادة الكيان بأنه “الجيش الأكثر أخلاقية في العالم”.
ولا شك أن الأخلاق الغربية ستستشيط غضباً من المقرّر الخاص للأمم المتحدة المعني بالأراضي المحتلة، حيث تتهم فرانشيسكا ألبانيز الدول بأن “قطع المساعدات المالية عن الأونروا يمكن أن ينتهك التزامات الدول بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية”، إلا أن عجرفتهم لن تسمح لهم أن يسمعوا ذلك.
لقد أصبحت المعايير الأخلاقية الغربية في نظر أغلب دول العالم مجرد تناقض مثير للضحك، وفي المرة القادمة التي يصدر فيها الغرب بياناً أخلاقياً سيسمع صوت قهقهة أغلبية العالم، فالإمبراطور يقف عارياً ويبدو غافلاً عن حالته.