مجمع اللغة العربية يستحضر رباعيات أنور العطار
ملده شويكاني
علّمتني الحياة أن من الأوهام
ما يصرع العزيمة صرعاً
أحد أبيات رباعية الأوهام من ديوان رباعيات الشاعر أنور العطار، الذي يذكرنا برباعيات الخيام، فهل ثمة تقارب بينهما؟ هذا ما عرفناه في المحاضرة التي ألقاها د. نزار بني المرجة في مجمع اللغة العربية، ولم تقتصر على السرد لمراحل حياته وخصائص شعره، وإنما تطرق فيها إلى الأدب المقارن بمشاركة د. محمود السيد رئيس مجمع اللغة العربية.
وقد استهل د. محمود السيد المحاضرة بالترحيب بالأديب والطبيب نزار بني المرجة، ومن ثم بدأ المحاضر بمعرفته بالشاعر الراحل أنور العطار من خلال قصائده في المناهج المدرسية للأدب العربي، والتي شدته بقوة إلى تلك النفس الشاعرية المرهفة التي تقف خلف تلك النصوص القصيرة المبهرة بالتأملات، التي دفعت الشاعر للتعبير في لوحات شعرية تكاد تكون ناطقة بألوانها وصورها المتألقة.
إضافة إلى ما قرأه عنه في الكتب والمقالات، وإلى من حدثه عنه،
ومن ثم اختزل سيرته الذاتية الحافلة رغم أنه توفي بالتاسعة والخمسين( 1913-1972) وتحدث عن دواوينه ودراساته الأدبية المخطوطة، منها: “البواكير ووادي الأحلام ومنعطف النهر” وله مسرحيات شعرية وكتب نثرية، منها ” أسرة الغزل في العصر الأموي” وله دراسة عن شاعر الهند طاغور.
ويرى د. بني المرجة بأن العطار لم يأخذ حقه من الإضاءة على تجربته الشعرية الهامة، التي أسهمت بالمشهد الشعري السوري المعاصر في الثلث الأول من القرن العشرين، مع بروز العديد من الأدباء الذين ساهموا بذلك، منهم: بدوي الجبل، وخليل مردم بك، ونزار قباني، وعمر أبو ريشة، وغيرهم.
وتابع بأن تجربته تميزت بالرصانة، فلم يطرح نفسه بمحافل الثقافة والصحافة على عكس الكثيرين من أقرانه، فاقتصر حضوره في منابر رصينة، واختار منبرين لنشر قصائده، وهما: مجلة الرسالة المصرية، ومجلة العربي الكويتية.
اعتمد المحاضر على التوثيق في جانب ما بالاتكاء على أقوال فاروق شوشة، وخير الدين الزركلي، ومعروف الأرناؤوط، والزيات الذي قال: ” أدب العطار مثلُ صادق للأدب السوري الحديث، وأكثر الصفات البلاغية انطباقاً عليه: الجزالة والسلامة والوضوح”.
وعلى الكتيب الصادر عن اتحاد كتّاب العرب في دمشق ضمن سلسلة الكتاب الشهري، بعنوان” رباعيات أنور العطار- علّمتني الحياة”- تحقيق ابنه هاني العطار وتقديم المحاضر د. نزار بني المرجة- فاستحضر قول ابنه عن الديوان: ” آخر ما جادت به قريحته الشعرية، جاء على شكل رباعيات مميزة في صياغتها الشعرية، متنوعة في موضوعاتها، جذابة في جرسها الموسيقي” وعددها مئة وخمس وسبعون، تبدأ كل منها بكلمة “علّمتني”، منها” الأشواق والمواساة والألحان والسلام والسؤال وغيرها”.
كما نوّه إلى نتاج علم والده الواسع وتعمقه بتراث الأدب العربي والآداب العالمية، وخاصة الأدب الفرنسي في منحاه الرومانسي، وتأثره بـ لامارتين، وألفرد دي موسيه، وقد ترجم الكثير من أشعارهما، وإلى تأثره بالبحتري، وأحمد شوقي، وأشار إلى المطابقة بقوله” فتمتع باليوم مادمت فيه” بينه وبين ما قاله عمر الخيام في إحدى رباعياته:
واغنم من الحاضر لذّاته
فليس في طبع الليالي الأمان
ومن ثم اختار د. بني المرجة العديد من الرباعيات للتعليق عليها، منها النسيان والدنيا حلم وساعة المغيب:
علّمتني الحياة أن مغيب الشمس
رمز للنفس حين تغيب
لينتقل إلى سماته الشعرية، إذ اندمج بوصف طبيعة دمشق جاعلاً من بساتين الغوطة ونهرها بردى أبطالاً لقصائده، وتوقف عند رباعيته ( وادي مهد الهوى):
يا للطبيعة ما أغنى مسرّتها
كأنها خفق أرواح بأجساد
إضافة إلى رباعيته الصباح والجمال والاحتفاء بالربيع التي أظهر فيها تحوّلات الطبيعة:
علّمتني أن الربيع شفاء
ويد ملؤها الندى بيضاء
كما عقب د. بني المرجة بأنه لم يكن شاعر الطبيعة فقط، وإنما فيلسوف، تشهد على ذلك صياغاته الفلسفية في كل بيت خطه.
وخلال المحاضرة تطرق د. بني المرجة إلى علاقة الشاعر بالأدب المقارن، فهناك ثمة تقارب بينه وبين الشاعر طاغور بقصائده من حيث دلالات الربيع والخريف، الفارق بينهما بطبيعة الشخصية ونمط العيش، فالعطار يميل إلى العزلة والصمت عكس طاغور، كما أن قصائد طاغور بُنيت على الحوار، وتحوّل قسم منها إلى مسرحيات.
وهذه المقارنة كانت مفتاحاً ليسترسل د. محمود السيد ويؤكد بأنه من الممكن أن تكون هنالك دراسات جادة عن الأدب المقارن بينه وبين شعراء آخرين، فعلى سبيل الذكر يذكرنا بالشاعر( إيليا أبو ماضي) من حيث التفاؤل وتمثل جمال الطبيعة، كما أن العطار سبر أغوار المجتمع فيذكرنا بأبي العلاء المعري. وتوجد أيضاً دراسات عن تناص شعري بينه وبين عدد من الشعراء.
وتوقف د. السيد عند غنى رباعية التفاؤل في رباعيات العطار:
علّمتني الحياة أن التأني
شدّ ما كان غاية المتمنّي
وعند تفسيره للسلاسة برباعيته السلاسة:
علّمتني أن السلاسة أن يصدح شعري بأعذب الأنغام
كما بين مقاربة شعر د. أحمد المفتي من شعره بوصف الطبيعة.
ليخلص إلى أن شعر أنور العطار يهزّ المتلقي، فيه رقة بالمشاعر وعذوبة باللفظ، وجرس موسيقي، ويتميز بالسلاسة والوضوح والقيم الإيجابية، التي ينبغي لنا أن نحافظ عليها ونتمثلها بسلوكياتنا.
كما حظيت المحاضرة بمداخلات، منها ما أشار إليه د. أحمد المفتي بأن مناهج وزارة التربية تسقط نصوص الكثير من الشعراء الهامين الذين درسوها في الخمسينيات والستينيات، مثل نصوص أنور العطار الذي درس بعضها في الصف الثالث الابتدائي وتأثر بمفرداته ووصفه الطبيعة، متمنياً أن تحفل مناهج وزارة التربية بهكذا نصوص.
وبعد المحاضرة تمّ توزيع نسخ من كتيب ” رباعيات أنور العطار- علمتني الحياة” على الحاضرين.
وتكريماً للشاعر الراحل أطلق اسمه على أحد شوارع دمشق، وسُميت مدرسة باسمه في حيّ القصور، وقامت أسرة الراحل بإهداء مكتبته النفيسة إلى المكتبة الظاهرية لتكون في متناول الباحثين.