صحيفة البعثمحليات

جيل الحرب يميل إلى العنف.. وهذا ما يظهر جليَّاً خاصة في المدارس

دمشق _ لينا عدره
تتراوح نسب الأطفال الذين أظهروا أعراض نفسية جرَّاء تأثرهم بالأزمات الاقتصادية المتلاحقة والحروب أو الكوارث الطبيعية كالزلازل ما بين 25% إلى 30%، وفقاً لما أكده الدكتور مضر أبو شنين، أخصائي الأمراض النفسية والعصبية وعلاج الإدمان في مستشفى ابن خلدون للأمراض النفسية والعقلية في حلب، وهذه النسب ليست مؤشراً على إصابة الأطفال باضطراباتٍ نفسية، وإنما لأطفالٍ ظهرت لديهم أعراضٌ نفسية، تتمثل بالقلق واضطراب النوم أو الإحساس بعدم الاستقرار وغيرها من الأعراض.
وفي حديث مع “البعث”، دعا د. أبو شنين الأهل، بغض النظر عن الظروف بين بلد وآخر، إلى تعلّم الأساليب الأنجع للتعامل مع الأطفال، فالتربية ليست مجرد تلبية للاحتياجات الأساسية، بل وتشمل أيضاً احتياجات أخرى غالباً ما لا يلتفت إليها معظم الأهل، ولا يعيرونها أي انتباه، ظناً منهم أن تأمين الطعام والشراب وضمان المستقبل الجيد، كفيلٌ بتنشئة طفل سليم! غير أن كل ذلك غير كاف ويفتقد للدقة، بسبب وجود احتياجات أخرى كالشعور بالأمان والحماية والتقدير والتواصل الاجتماعي، وبالتالي فإن عدم اهتمام الأهل بتلك الاحتياجات هي السبب الرئيس بالخلل الذي نلحظه عند أطفالهم والذي غالباً ما يرجع لنقص نتيجة عدم إشباع تلك الاحتياجات، ما يؤثر سلباً على تطور الطفل.
ويلفت الدكتور أبو شنين إلى أن المشكلة الأكبر للأطفال الذين كبروا و تربوا في بلدان عانت من حروبٍ، أو الذين عانوا من تجارب وصدمات نفسية، غالباً ما تتمثل بتفاعلهم غير المتماسك والمحطم، لذلك نلحظ عليهم صعوباتٍ سواء في التعبير أو اللعب والحوار والانخراط الاجتماعي، صعوباتٌ تتزامن مع عدم قدرة الأهل على تفسير تلك السلوكيات لاختلاف تعبير الأطفال عن الكبار، ما يؤدي لعدم معرفة الأهل للنتائج التي قد تنجم عن تلك السلوكيات.
وينوه أبو شنين بالعلاقة الوثيقة بين الطفل الذي تربى في ظروفٍ صعبة كالحروب أو من عانى من صدماتٍ جرَّاء أحداثٍ مروعة وبين تطور وظائفه الدماغية وفقاً لما أكدته الأبحاث العلمية، نتيجة وجوده في بيئة غير سليمة وظروفٍ صعبة، لافتاً بأن خصوصية الأطفال فيما يتعلق بموضوع الصدمات تتمثل بافتقارهم للقدرات الذهنية الكافية التي تسمح لهم استيعاب تلك الخبرات الصادمة، وإعطاءها معنى مفهوم إضافة لعدم قدرتهم على التعبير الكلامي عمَّا يعانوه، لذلك لا يمكن تقدير المدى الذي يصيب الطفل من اضطرابٍ بمشاعره وسلوكه.
ويشدد أبو شنين على اختلاف أوضاع الأطفال في منطقتنا ومجتمعنا عن أقرانهم في المجتمعات الأخرى، خاصةً مع استمرار وتكرر خبراتهم الصادمة لفتراتٍ زمنية طويلة، وعدم انتهاء حالة الخطر في المجتمع، ما يؤدي لهشاشة مصادر الدعم وانهيارها في أية لحظة، وبالتالي ظهور مجموعة من الأعراض عند الطفل تزامناً مع تكرر الأحداث الصادمة، تتخطى الأعراض الشائعة باضطراب ما بعد الصدمة، كالغضب نتيجة تخزينه للعنف وانتظاره اللحظة المناسبة لتفريغه، أو حتى التوتر المستمر واضطرابات النوم ومشاعر الكره تجاه الآخرين، وتعبيره عنه بسلوكٍ عدائي تجاه أي شخص قد يثير تلك المشاعر، لذلك يؤكد أبو شنين على دور البيئة الحاضنة للطفل والطرق التي عليها اتباعه لدعمه لتكون بذلك عامل قوة، والتشديد على الترابط داخل الأسرة، ودوره بالتخفيف من وطأة تلك الأعراض والخفيف من وقع الصدمات.
وميّز الدكتور أبو شنين تلك الأعراض عند الأطفال تبعاً لأعمارهم، وظهورها بشكل واضح عند أولئك الذين تعرضوا لضغوطاتٍ ما يجعل دماغهم متيقظا ومتأهبا، لدرجةٍ يًصبح بها غير قادر على إقامة روابط عصبية تمكنه من تفهم كل ما يحدث حوله، ليمتد تأثيرها حتى على الخبرات الحسية التي بدورها تُؤثر على تحليل الطفل المنطقي وتفكيره، ما يبقيه في حالة خوف وذعر وانفعال مستمر وتأهب خوفاً من حدوث شيء خطير، ما يعيق عملية نمو القشرة الدماغية ، التي بدورها تُؤثر على اكتساب اللغة عنده وعلى النطق والقدرات الذكائية، والتي من الممكن أن تتجه نحو اتجاهات مختلفة كاضطرابات الأكل والنوم والتبول اللاإرادي كل ذلك تبعاً لعمر الطفل.

أبو شنين أشار إلى تعدد الأعراض التي قد يعاني منها الأطفال عند سماعهم أصوات القصف في مناطق تعاني من حروبٍ أو نتيجة تعرضهم لحادثٍ شخصي أو لكوارث طبيعية، والتي قد تتمثل بنوباتِ هلعٍ وخوف وحساسية مفرطة واكتئاب وعدم رغبة بالحياة ، إضافة للخوف من المستقبل، و نوبات بكاءٍ واضطرابات نوم ولومٍ للنفس، ما يفقدهم الرغبة باللعب والتركيز، تتزامن مع كوابيس وصعوبات في التعلم، لتترافق مع أعراض جسدية وغضب غير مبرر ونكوص.. وكل  اعتماداً على شدة الحدث الصادم وعمر الطفل ومرحلة نموه، بما فيها صفات الطفل وشخصيته، لذلك يشدد أبو شنين على ضرورة الإنصات للطفل وسماعه وتقبله وتشجيعه ليتحدث عن كل ما يشعر به، وسؤاله عن كيفية تصرفه أثناء الحادث، لمعرفة ما يجول في فكره، وعن إذا ما كان يفكر بالانتقام أو بالثأر أو إذا ما كان لديه خوف دائم من تكرار الحدث، وبالتالي معرفة الطريقة التي سيتبعها للتعامل مع الحادث المتوقع، كل ذلك لتصحيح أفكاره المغلوطة وزرع الأفكار الإيجابية.
وأكد أبو شنين على الدور الأساسي للبيئة المتمثلة بالأهل أو المدرسة في دعم الطفل ومساندته، ومشدداً على أن التواصل الصحيح لتلبية احتياجات الطفل الأساسية والنفسية يأتي في أولويات طرق وأساليب الدعم، إضافةً لطمأنة الطفل وإحساسه بالأمان والعاطفة عبر السماح له بالتعبير عن أفكاره ومشاعره وتعليمه كيفية التعامل مع الظروف الصعبة، يبقى الهدف الأهم الذي يتوجب على الأهل العمل على تحقيقه.
ولفت إلى أن ما يقوم به الأهل مع البيئة المحيطة للطفل تجاه أطفالهم هو بمثابة أساليب دعم، ولا يُصنَّف من ضمن الخدمات النفسية التخصصية، ولا يعتبر علاج نفسي، مؤكداً على أن لجوءنا إلى الخدمات النفسية التخصصية، يصبح ضرورة في الحالات التي لا يتجاوب فيها الطفل مع أساليب دعم الأهل وعند ازدياد واشتداد الأعراض وإعاقتها للوظائف اليومية كاللعب والتعبير والتراجع في المدرسة، وعدم قدرته على التعبير عن مشاعره، لدرجةٍ قد تصل حد إيذاء نفسه أو الآخرين أو عدم الاستجابة والانتكاسة، ما يؤكد على ضرورة متابعة أطفالنا خاصةً مع نموهم في بيئة غير سليمة، وربما هذا ما يُفسِّر العنف الذي نلحظه على الكثير من الأطفال واليافعين والشباب الذين نشؤوا في فترة الحرب، وهذا ما يظهر جليَّاً في المدارس أو غيرها من الأماكن.