متطوعون ينسجون قصصاً جميلة عن مبادرات تركت أثراً طيباً في مختلف المجالات
أيمن فلحوط
جسد العمل التطوعي الإنساني جانباً مهماً من نشاطات المجتمع الأهلي المحلي، في العديد من المجالات الحيوية، فكان شريكاً في تحقيق التنمية على أكثر من صعيد، في مجالات الإغاثة والتنمية والصحة والثقافة، ورديفاً مهماً لما تقوم به المؤسسات الحكومية، في استثمار طاقات الشباب في مجال التنمية، من خلال فرق العمل التطوعية العديدة التي انتشرت على مساحة الوطن كلها، وتمثلت بشكل رئيس بمنظمات اتحاد شبيبة الثورة والطلبة والعديد من الجمعيات الأهلية.
ثقافة مجتمعية
وبرأي الدكتورة غنى نجاتي المتخصصة في الصحة النفسية والمتفرغة في الكيات الطبية بجامعة الشام الخاصة، أن العمل التطوعي ثقافة في كل المجتمعات منذ زمن بعيد، وفي كل التشريعات والأديان والأخلاق تدعمه وتدعو إليه، بل وهناك من يستعمله بطريقة علاجية للأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب، وللمتقاعدين، ولمن لا توجد لديهم أهداف في حياتهم أو نقص في تقدير الذات، أو إعادة تمكين المهارات الاجتماعية والتواصل مع الآخرين، كما أن هناك من يتخذ من العمل التطوعي وسيلة لتعبئة أوقات الفراغ لديهم، وأحياناً كنوع من “البرستيج” أو يراه بعضهم لتقوية “cv فيقولون خلينا نتطوع معك من أجل تقوية الـ cv في حال سافرت بحثاً عن فرصة عمل”.
وعن تجربتها بالعمل التطوعي تقول: منذ كان عمري 15 عاماً كنت أرى أهلي يقومون بتلك الأعمال التطوعية سراً بعيداً عن العلانية، وقد أحببت ذلك، وكانوا يقولون لي: “هذه الأعمال يجب أن تبقى بيننا ولا يوجد أي داعي للحديث عنها أو التباهي بها”.
وقد وعدت نفسي بذلك، وفي أي مكان أكون فيه، تقديم العون والمساعدة للفئات المهمشة في المجتمع، من أيتام ومسنين وأطفال السرطان والمصابين بمتلازمة داون، وباقي الفئات من ذوي الاحتياجات الخاصة، وشعرت من خلال دراستي وعملي، أن من واجبي أن أنقل تلك الرسالة للناس الموجودين والمحيطين بحياتي بطريقة غير مسيئة للأشخاص الذين أتعامل معهم، ومن دون أي تجريح أو إساءة، وأركز على الدعم النفسي كوني متخصصة في ذلك.
أما عن رسالتها، فأوجزتها باستمرار العمل في نقل مفهوم العمل التطوعي الإنساني لطلابها وأبناءها، وبرأيها، كل واحد منا يمكن أن يقدم حسب قدراته وإمكاناته، حتى وإن لم يمتلك المال لذلك، فقط يكفي أن نرشدهم، أو ندلهم على الطريق الذي يحقق لهم الفائدة، وبذلك يمكن نشر الوعي الاجتماعي والصحي والنفسي لأهمية العمل التطوعي، لأنه في الحقيقة هو علاج نفسي للمجتمع بكل فئاته وتصنيفاته.
وترى نجاتي أن السعادة في العمل التطوعي تكمن في الإحساس الصادق بتقدير الناس لك وللعمل الذي تقدمه للآخرين، والتي تسمو مع العطاء، شريطة ألا يكون هذا العطاء على حساب الأسرة، فالعمل التطوعي واجب إنساني، وكل يعطي بطريقته، والعطاء المعنوي أكبر بكثير من العطاء المادي، وأثره أعمق بكثير بنفوس الأشخاص.
نذروا أنفسهم
صور وأشكال العمل التطوعي تظهر أكثر خلال المحن التي تصيب المجتمعات، وبالأخص في الحروب والكوارث، وقد تجلت تلك الصور في سورية بأكثر من مجال في ميدان المساعدة للمواطنين، الذين عانوا من تلك الويلات، وهناك الكثير من المتطوعين، الذين نذروا أنفسهم ليكونوا إلى جانب المحتاجين، سواء في الحرب الكونية على سورية، أو حتى في الزلزال الذي تعرضت له بعض المحافظات السورية في السنوات الأخيرة.
زرع الابتسامة
السيدة رجاء دباح التي بدأت العمل التطوعي في عام 2019 تشرح كيف استقوت على مرضها، الذي تم تشخيصه بمرض مناعي مزمن، أعراضه جداً مزعجة، وتأثيراته العصبية والنفسية، هذا المرض الذي يلبس مئات الوجوه ليحطم المصاب، إلا وهو مرض “التصلب اللويحي” المتعدد، فحاولت رغم صعوبات البدايات ورحلة العلاج أن تكون قوية متحدية للمرض، لتكون ضمن الكادر التطوعي بجمعية دعم مرضى التصلب اللويحي، ومن الأعضاء الفاعلين لزرع الابتسامة والمساعدة لمن يعانون من المرض ذاته، من خلال متابعة أمورهم، وتشكيل الفريق التطوعي المساند للمرض في جلسات العلاج الدورية في المشفى، وتالياً تكوين فريق تطوعي ناجح معظمهم من مرضى التصلب، يسند بعضه البعض، وغيره من المصابين بالتصلب اللويحي، وخاصة الجدد منهم، لأنها من أصعب المراحل التي يتم فيها تشخيص المرض.
أما أكثر الأمور التي كانت تفاجئ السيدة رجاء، هي حين كانوا ينادونها بدكتورة رجاء، نتيجة توسع معرفتها بالمرض وبدقائقه، من خلال تجربتها الذاتية والمتابعة، فترد عليهم بلطف، “لست بدكتورة أنا مريضة تصلب وتحديت مرضي، وأكون معكم لنسند بعضنا، ونتجاوز الصعوبات التي نعاني منها”.
وبينت أن احترامها لعملها وحبها للعمل التطوعي دفعها للاستمرار مع الفريق، وللتطوع أيضاً في مؤسسة إليسار لدعم أطفال السرطان، وحرصت على متابعة جميع الأنشطة والفعاليات التي قاموا بها.
السيدة “دباح” تؤمن بمقولة: “على قدر العطاء من دون مقابل وبكل حب نجني ثمار المحبة”، فهي قدمت الدعم النفسي، والتوجيه الصحيح لمرضى التصلب بحكم خبرتها كمريضة تصلب، وعملت كروبات على مجموعة الواتس تجمع ما لا يقل عن 600 مريض ومريضة تصلب تتابعهم وتدعمهم.
من القلب للقلب
بدورها الزميلة الصحفية نور قاسم مديرة مبادرة من القلب للقلب لتسجيل الكتب صوتيا للمكفوفين تحدثت عن مرحلة التأسيس للمبادرة التي بدأت في أيلول عام 2016 وبدأت الفكرة من خلال قراءتها على السوشيل ميديا، قيام امرأة كبيرة في العمر بقراءة مئات الكتب للمكفوفين لوحدها، فراقت لها الفكرة وبدأت العمل بها، وتضيف: لم يخطر في ذهني تكوين فريق آنذاك، وكانت غايتي القيام بذلك من خلال المجهود الشخصي فقط، وبعد النشر وجدت أن الكثير من المتطوعين أعجبوا في الفكرة، وما زالوا يعملون معي منذ ذاك الوقت حتى الآن، واستطعنا خلال تلك السنوات قراءة مئات المحاضرات، من المقررات الدرسية وتقديمها للمكفوفين، والكثير منهم قد تخرج، ووصل عدد منهم إلى درجة الماجستير.
وأشارت الزميلة “قاسم” أنها تواجه العديد من الصعوبات الناتجة عن الكهرباء وضعف الانترنت، لكنها تغلبت على ذلك من خلال الاستعانة بالمتطوعين من خارج البلاد لتعويض ذلك ، للمساعدة في توزيع المحاضرات المسجلة من قبل المتطوعين للقراءة، بعد أن تكون قد استلمت من الطلبة احتياجاتهم للمطلوب من المحاضرات، وإعلامهم بأسماء المتطوعين في القراءة، ومعرفة الملف المستعجل، ويتم تقديم الملاحظات أثناء القراءة.
التشاركية مع المجتمع
ويعود ماجد سلوم -أبو حيان- بذكرياته لمسيرة حافلة من العمل التطوعي، الذي بدأه منذ سنوات ضمن مجموعات تطوعية غير ربحية، تهدف لتقديم بعض النشاطات الإنسانية في المجتمع المحلي، منها ما يحمل الطابع الثقافي، ومنها ما يحمل الطابع الخيري، وكذلك في نطاق تجربته للعمل التطوعي البيئي كمحطة ذات تجربة مميزة، خاصة حين ترأس جمعية رواد البيئة في مدينة جرمانا سابقاً.
ويشير سلوم للبدايات ضمن فريق من جمعية رواد البيئة في مدينة جرمانا، حيث تم وضع إستراتيجية عمل تعتمد على التشاركية مع المجتمع المحلي بشكل أساسي، كمنهج لتحقيق الأهداف، ولكون بعضهم يعتبر موضوع البيئة أمراً ثانوياً، لكن يوماً بعد آخر، تم إشراك المجتمع المحلي، فباتت الأحياء والشوارع والمدارس والحدائق إنموذجاً لمصداقية عملنا، وبدأ نشطاء الجمعية اللذين قادوا العمل أكثر حماساً في الحفاظ على البيئة، كحملات التشجير والنظافة التي لاقت استحسانا منقطع النظير لدى المجتمع المحلي ، وفيما بعد امتد نشاط الجمعية بدعم مبادرات المجتمع المحلي، لزراعة آلاف الأشجار في الزبداني، وأيضا في البستان الخيري (جنينة الشيخ ) ومبادرات زراعة الأشجار في المدارس، وإقامة معارض للزهور، وتأسيس سينما بيئية في الهواء الطلق، وإطلاق حملات سنوية لتوزيع شتلات الوردة الشامية على سيدات المدينة، بمناسبة عيد المرأة وعيد الأم، لتعكس في المجمل التطلعات والأماني التي ننشدها في نطاق الحفاظ على بيئتنا.
عمل إنساني
المدرسة المتقاعدة ناديا الراضي التي كان لها باع طويل في العمل التطوعي، في أماكن عديدة، ترى فيه عملاً إنسانياً راقياً، ويحتاج إلى ثقافة مجتمعية وتوجيه.
وتسرد بداياتها مع العمل التطوعي في مدينة الرميلان خلال عملها هناك كمديرية للروضة، تعمل على مساندة الأطفال المحتاجين، خاصة المتوفي أحد الوالدين، بدعمهم إنسانياً ومتابعة بشكل يومي، وكذلك تقديم الدعم النفسي من خلال زيارة أولياء الأطفال في الروضة.
وتضيف: بالانتقال إلى مدينة المليحة في ريف دمشق، كان هدفي مساندة ومساعدة الفتيات، وتقوية عزيمتهم والدفاع عن حقوقهم، من الظلم والحرمان من التعليم، ومتابعة بعض الحالات التي تتعرض لها الفتيات بالزواج المبكر، والعنف، وغيرها، وحين عدت إلى مدينة جرمانا عملت كمرشدة نفسية مع فريق “بشاير البيدر” ضمن الخدمات التي تقدم للطلاب، ونشر ثقافة التواصل اللاعنفي، وخلال عملها كمديرة لثانوية فايز سعيد محمود، حرصت على تقديم الألبسة واحتياجات الطالبات بقيمة مليوني ليرة، كما تم توزيع مبالغ مادية على الطالبات شعرن أنهن بحاجة للمساعدة.
دورات تعليمية مجانية
وتعمل مدرسة اللغة الفرنسية ابتسام سلوم في مدارس شهبا بمحافظة السويداء، متطوعة مع جمعية بصمة وطن، في إقامة دورات مجانية لمرحلتي التعليم الأساسي والثانوية العامة في جميع المواد، وتقدم منذ عامين خبرتها التي تجاوزت الثلاثة عقود من الزمن في ميدان التدريس، ضمن نطاق عمل الجمعية، التي لا تقف عند حدود المساهمة المجتمعية في الدورات التعليمية المجانبة، لتصل إلى كل ما يحتاجه المواطن الذي ليس لديه معيل في بداية المدارس، وقد قامت الجمعية بتوزيع أدوات القرطاسية والألبسة الشتوية، وفي الأعياد توزع سلل غذائية، وتساهم في دفع القسم الأكبر من فواتير العمليات الجراحية وتوزيع أدوية.