الإرهاب في قلب الجغرافيا السياسية الأمريكية
هيفاء علي
حسب البرفيسور مايكل هدسون، الخبير الاقتصادي الأمريكي، فإن ما تفعله الولايات المتحدة مع “إسرائيل” هو مجرّد بروفة للانتقال إلى إيران وبحر الصين الجنوبي، وكما هو معروف، لا توجد خطة بديلة في الاستراتيجية الأميركية لسبب وجيه للغاية، فإذا انتقد شخص ما الخطة “أ”، لابد أن يرحل المنتقدون عندما ينتقدون ذلك، ولهذا السبب لا يتوقف الاستراتيجيون الأمريكيون ويعيدون التفكير فيما يفعلونه.
إن ما تسمّى “الاستراتيجية الأميركية الإسرائيلية” في غزة مستوحاة في كثير من النواحي من خطة هيرمان خان التي تم تنفيذها في فيتنام في الستينيات. حينها، ركّز هيرمان على تحليل الأنظمة بتحديد الهدف العام ومن ثم كيفية تحقيقه؟ أولاً، عزلها في قرى استراتيجية، وبالفعل تم تقسيم غزة إلى مناطق، ما يتطلب تصاريح إلكترونية للانتقال من قطاع إلى آخر، أو الدخول إلى “إسرائيل اليهودية” من أجل العمل، ومن ثم قتلهم، ومن الأفضل القصف، لأن هذا يقلل من الخسائر في صفوف جنود الاحتلال.
وبالتالي، فإن الإبادة الجماعية التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزة هي السياسة الصريحة لمؤسسي الكيان الإسرائيلي.
وما يحدث اليوم هو الحل النهائي لهذه الخطة، كما أنه جزء من رغبة الولايات المتحدة في السيطرة على الشرق الأوسط واحتياطاته النفطية. فبالنسبة للدبلوماسية الأميركية، الشرق الأوسط هو النفط، وهكذا كان تنظيم “داعش” الإرهابي جزءاً من الفيلق الأجنبي الأمريكي منذ أن تم تنظيمه لأول مرة في أفغانستان لمحاربة الروس، ولهذا السبب تم تنسيق السياسة الإسرائيلية مع سياسة الولايات المتحدة.
و”إسرائيل” هي الأوليغارشية العميلة الرئيسية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، حيث يتعامل الموساد مع “داعش” في سورية والعراق، وفي أي مكان آخر يمكن للولايات المتحدة أن ترسل إرهابيي “داعش” إليه. إن الإرهاب، وحتى الإبادة الجماعية الحالية، يقع في قلب الجغرافيا السياسية الأمريكية.
لقد قامت “إسرائيل” باستهداف قوافل المساعدات القادمة إلى غزة ودمّرت قوارب الصيد والدفيئات الزراعية في غزة لمنعها من إطعام نفسها، ثم انضمت إلى الولايات المتحدة لمنع المساعدات الغذائية من الأمم المتحدة ودول أخرى. وسرعان ما انسحبت الولايات المتحدة من وكالة الإغاثة التابعة للأمم المتحدة “أونروا” بمجرد بدء العدوان على غزة، وكانت المموّل الرئيسي لهذه الوكالة. ومن ثم توقفت “إسرائيل” عن السماح بدخول المساعدات الغذائية، وأقامت طوابير تفتيش طويلة، كذريعة لإبطاء حركة دخول الشاحنات إلى 20% فقط من وتيرتها قبل السابع من تشرين الأول، حيث انخفضت من 500 شاحنة في اليوم إلى 112 فقط. وبالإضافة إلى منع الشاحنات، استهدفت “إسرائيل” عمال الإغاثة وسعت الولايات المتحدة إلى تجنب الإدانة من خلال الادعاء ببناء رصيف لتفريغ المواد الغذائية عن طريق البحر. وكان القصد أنه بحلول الوقت الذي يتم فيه بناء الرصيف، فإن سكان غزة سوف يتضوّرون جوعاً.
ومن ثم يحدّد البروفيسور هدسون بإيجاز العلاقة الأساسية بين هذه المأساة برمتها، إذ تحاول الولايات المتحدة إلقاء اللوم على شخص واحد، نتنياهو. لكن هذه هي السياسة الإسرائيلية منذ عام 1947، وهي أيضاً سياسة الولايات المتحدة.
كل ما حدث منذ 2 تشرين الأول، عندما هاجم المستوطنون الإسرائيليون المسجد الأقصى، وأدّى إلى إطلاق عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول، تم تنسيقه بشكل وثيق مع إدارة بايدن. كل القنابل التي تسقط يوماً بعد يوم، وشهراً بعد شهر، فضلاً عن منع المساعدات من الأمم المتحدة، إنما تتم بعلم الولايات المتحدة بهدف منع غزة من الحصول على حقوق الغاز البحرية التي من شأنها أن تساعد في تمويل ازدهارها، وأن تظهر للدول المجاورة ما الذي سيتم فعله لهم، تماماً كما فعلت الولايات المتحدة في ليبيا قبل غزة.
في نهاية المطاف، يؤكد هدسون، أن بايدن ومستشاريه هم مجرمو حرب مثل نتنياهو، وهدف الولايات المتحدة هو إنهاء حكم القانون الدولي الذي تمثله الأمم المتحدة.
لقد نظر الدبلوماسيون الأميركيون إلى الأمام ورأوا أن بقية العالم سوف ينسحب من فلك الناتو الأميركي والأوروبي، وللتعامل مع هذه الحركة التي لا رجعة فيها، تحاول الولايات المتحدة إحباطها من خلال محو كل آثار القواعد الدولية التي حكمت إنشاء الأمم المتحدة، وحتى مبدأ وستفاليا المتمثل في عدم التدخل في شؤون البلدان الأخرى، الذي يعود تاريخه إلى 1648.
والنتيجة الفعلية، كالعادة، هي عكس ما أرادته الولايات المتحدة تماماً، حيث اضطرت بقية دول العالم إلى إنشاء أمم متحدة جديدة، جنباً إلى جنب مع صندوق النقد الدولي الجديد، والبنك الدولي الجديد، والمحكمة الدولية الجديدة في لاهاي، وغير ذلك من المنظمات التي تسيطر عليها الولايات المتحدة، وعلى هذا يرى العالم أجمع الاحتجاج العالمي ضد الإبادة الجماعية التي ترتكبها “إسرائيل” يومياً في غزة والضفة الغربية. الحكم النهائي للبروفيسور هدسون حول الفائدة الكبيرة للولايات المتحدة” هو أنه “لا يمكن تقديم شكوى ضد الولايات المتحدة -وضد أي حرب أو تغيير للنظام تخطط له في إيران والصين وروسيا وما تم القيام به في إفريقيا وأمريكا اللاتينية. وينبغي النظر إلى “إسرائيل” وغزة والضفة الغربية باعتبارها بداية الحرب الباردة الجديدة، وهذه في الواقع خطة لتمويل الإبادة الجماعية والدمار. والفلسطينيون إما أن يهاجروا وإما أن يتم استهدافهم وتصفيتهم، هذه هي السياسة المعلنة منذ أكثر من عقد من الزمن.