إسهامات التراث اللامادي في حماية الهوية الوطنية
أمينة عباس
يجمعُ الباحثون في التراث ودارسوه على أن منطقة بلاد الشام هي المستودع التراثي المهمّ للبشرية، فهي تملك التراث الأعرق والأغنى، وكان هذا التراث بنوعيه المادي واللامادي مطمعاً للمستعمرين منذ القِدم لتدمير الثقافة والهوية، فلا هوية من دون تراث ترتكز عليه، ولا تراث بلا هوية، لذلك تحرص سورية من خلال مؤسساتها وهيئاتها على تأكيد أهمية صونه وحفظه.. من هنا، ارتأى فرع القنيطرة لاتّحاد الكتّاب العرب واحتفاءً بيوم التراث العالمي عقد ندوة في القاعة الشامية بالمتحف الوطني حملت عنوان “إسهامات التراث اللامادي في حماية الهوية الوطنية” بمشاركة الدكتورة أمل دكاك، والأستاذة ربا الدياب، والقاص غسان حورانية والدكتورة ريما دياب رئيسة فرع القنيطرة في اتّحاد الكتّاب العرب التي بيّنت أن التراث اللامادي يشكّل مخزوناً ثقافيّاً وتراثيّاً يرتبط بالبلد الذي ما زال يحافظ على التقاليد والطقوس والمخزون الفني اللغوي، وهو لا يمثّل التقاليد والماضي فحسب بل المجتمع بكل طبقاته، ويربط الماضي بالحاضر والمستقبل، وهو وسيلة لكل شعب من الشعوب ليثبت وجوده في العالم وأصالته، مع تأكيدها أن التراث اللامادي يسهم في الحفاظ على الهوية ومقومات الشخصيّة، فالتراث السوري هو ذاكرة وركن أساسي من الهوية، وما أحوجنا اليوم للحفاظ على هويتنا وتراثنا في زمن العولمة التي تحاول أن تقضي على تراثنا وثقافتنا لنكون ضمن هذا العالم التائه.
وهو ما أكدت عليه أيضاً الدكتورة دكاك في مشاركتها حين قالت إن “التراث الشعبي السوري المادي واللا مادي غني بأصالته وحضارته التي تعود إلى آلاف السنين، لذلك كان وما زال مطمعاً للمستعمرين الذين سرقوا الكثير من الكنوز الموجودة لتكون في متاحفهم العالميّة، وحربهم على سورية مؤخراً كانت بهدف تدمير الثقافة والهويّة وسرقة الآثار”، مبيّنة أن التراث المادي واللامادي هو جزء لا يتجزأ من تراثنا الشّعبي بما فيه من خبرات ومعارف ومنتجات، وهو وحدة ثقافيّة متكاملة شكّلها الإنسان عبر تاريخه الطويل بتفكيره الخلّاق وملاحظاته وتأمّلاته وخبراته المتراكمة جيلاً بعد جيل، وهو البيئة الاجتماعيّة التي يشغلها الإنسان والمقوّمات والمرتكزات التي أنتجتها الأجيال السابقة إلى أن وصلتْ إلى الأجيال اللاحقة ولها وظيفة الإشراف على سلوك الفرد وتنشئته اجتماعياً وثقافيّاً لأنه انعكاس للحياة الاجتماعيّة والفكريّة والثقافيّة للشعوب: “الكثير من الحضارات السابقة بقيتْ في ذاكرة الشعوب من خلال ما تركته من آثار تدل عليها”، أما الهويّة فهي كما أشارت دكاك مجموعة السمات النفسيّة والاجتماعيّة والحضاريّة المميزة لأمتنا عبر تاريخها الطويل، والتراث الشعبي يشكّل هوية وطن بغناه الثقافي والحضاري، داعية في عصر العولمة إلى السعي للحفاظ على الهوية الثقافيّة وتراثنا الأصيل الذي يمثّل هذه الهويّة لمواجهة تحديات العولمة التي تغزونا وتريد القضاء على هويتنا وثقافتنا وأصالتنا من خلال رسم حدود مختلفة تغيب فيها الهوية الوطنيّة وتقتل الإنسان في بلده.
ولأن الوردة الشامية وما يرتبط بها من الممارسات والحرف التراثية من العناصر التراثية السورية المهمة والمتوارثة جيلاً بعد جيل، وقد أدرجتها منظمة اليونيسكو عام 2019 ضمن قائمة التراث الإنساني اللامادي كان حديث الأستاذة الدياب عنها، وقد توّجت ملكة على الورود وأصبحتْ سفيرة سورية إلى العالم: “وُجِدَت الوردة الشامية مرسومة على جدار قصر في جزيرة كريت وأُدخِلَت إلى فرنسا خلال حروب الفرنجة، وذُكِرَت في كتابات وليم شكسبير “هي حلوة جميلة كجمال وردة دمشق” وفي ملحمتَي الإلياذة والأوديسة للمؤرخ الإغريقي هوميروس، كما كتب عنها الشاعر نزار قباني “أنا وردتكم الدمشقيّة يا أهل الشام، فمن وجدني منكم فليضعني في أول مزهريّة”، مشيرة إلى مناطق زراعتها في ريف دمشق وغوطتها ويبرود وجبل الشيخ وجبال القلمون وقرية المراح ومشروع زراعتها الذي أطلقته الأمانة السوريّة للتنمية عام 2020 بدعم من السيدة الأولى أسماء الأسد تأكيداً على أن السوريين يعدّون الوردة الشاميّة جزءاً مهماً من ثقافتهم، وقد اتّخذته وزارة السياحة شعاراً لها، بالإضافة إلى العديد من الشركات الطبيّة والتجميليّة وبناء مسار الذي صُمّم معمارياً على شكل وردة شاميّة، موضحة أن عناصر التراث الثقافي اللامادي السّوري تشمل التقاليد والتعابير “القصيدة، الموال، العتابا، الدلعونا، الزغاريد، الأمثال الشعبيّة” والفنون: “القدود الحلبيّة، الدبكة الساحليّة، الرقص الشركسي، موسيقا الكنيسة السريانيّة” الممارسات الاجتماعيّة “تحضير وتقديم القهوة المرة” المعارف والممارسات المرتبطة بالطبيعة والكون: “الحجامة، العمارة التقليديّة” المهارات المتعلّقة بالحرف التقليديّة “الموزاييك الخشبي، البروكار، الحرف المرتبطة بالوردة الشاميّة”، وأن عناصر التراث السوري اللامادي المدرج على قوائم التراث الإنساني هي: صيد الصقر، مسرح خيال الظل، الوردة الشامية، القدود الحلبية، نفخ الزجاج وصناعة الأعواد والعزف عليها.
وتخلل الندوة عرض فيلم من إعداد د. أمل دكاك تحدث عن التراث في حياتنا المعاصرة ودوره في الحفاظ على هويتنا الوطنية، ومشاركة من قبل القاص غسان حورانية من خلال قصة قصيرة حملت عنوان “الوردة الشامية”.