اللامبالاة الإسرائيلية!
حسن حميد
أعترف يقيناً..
أنّ اللامبالاة غدت ثقافة وأكثر، وسلوكاً وأكثر، حتى لو أنها جاءت سدّاً أمام الضوء.. والحق.. والخير، والجمال، والمعرفة، والمعنى الإنساني؛ واللامبالاة ليست جهلاً بما يحدث أو يدور، وإنما هي ثقافة وتربية وصيغة عيش، كلها لا تخلو من الغطرسة، والمباهاة بالقوة والنفوذ، وإدامة الكينونة والحضور بالعناد القبيح، والوقاحة ذات الوجه الدبلوماسي أو الوجه السلوفاني، لا فرق.
مثل هذه اللامبالاة أراها حالاً تمشي بها دول القوة الوارثة لدول القوة الاستعمارية التي رأت في استعمار الآخر واغتصاب أرضه وسرقة ما يمتلك، وتحويله من الثقافة الوطنبية و وفضاء الحرية إلى ثقافة الاستعباد والاستتباع، وطي أحلامه وأمانيه خوفاً من بدوّها في مرآة المستعمر الغاصب، والمشي وراءه وتنفيذ أوامره، والرضا بحضوره وإقامته وممارساته وإن كانت دموية ذات شناءة لا تطاق.
الكيانية الصهيونية، في بلادنا الفلسطينية العزيزة، تتبع ثقافة اللامبالاة في تصرفاتها وممارساتها وأقوالها كلها، فهي لا تعطي بالاً لما يقوله التاريخ من أنّ هذه البلاد الفلسطينية هي لأهلها الفلسطينيين الذين بنوا وعمّروا وكتبوا وأبدعوا وحرثوا وصنعوا وحفظوها أرضاً وتاريخاً، طوال سنوات هي في العمر بطول عمر العمران والتمدّن في هذا العالم، كما أنها – أعني الكيانية الصهيونية – لا تعطي بالاً أو اهتماماً أو سمعاً لكل ما يصدر عن المؤسسات والمنظّمات والهيئات الدولية، إلا إذا كان مؤيداً لها ولما تقوم به، إنها لا تحترم منظمة الأمم المتحدة بكل مؤسساتها وهيئاتها، وما تقوله، علماً بأنها كيانية أقيمت بقرار من الأمم المتحدة، فاللامبالاة هي الرد الأوفى والأبدى لكل قرارات الأمم المتحدة وهيئاتها ومنظماتها ومؤسساتها، لأنّ هذه الكيانية الصهيونية اعتمدت على القوة، وهذه القوة معتمدة على أصحاب القوة والشأن واليد الطولى في هذه المنظمة الدولية، فكل ما لا يعجب هذه الكيانية من قرارات يواجه بـ “الفيتو” الغربي حتماً لا افتراضاً ولا توقّعاً، ولهذا، ونحن نعيش ما يحدث في غزة والضفة الفلسطينية، فإنّ اللامبالاة الإسرائيلية بكثرة عديد الشهداء الفلسطينيين، هي البادية، وكأنّ هؤلاء الشهداء فائض بشري يراد الخلاص منه، واللامبالاة الإسرائيلية هي المتجلّية تجاه عديد الجرحى من أهل غزة والضفة الفلسطينية المحتلة، وتجاه عديد المعتقلين الفلسطينيين الذين احتشدت بهم السجون الإسرائيلية، وتجاه عديد القرى والمدن والمخيمات التي دمّرت فوق رؤوس أهلها من الأطفال والنساء والشيوخ، وتجاه المجازر الدموية الشائنة التي اقترفتها العربدة الإسرائيلية في المشافي والمدارس والمساجد والكنائس التي لجأ إليها الناس خوفاً وهرباً من البطش الإسرائيلي، الذي ما كان له أن يبحث عن سبب وجيه يمكّنه من قتل الفلسطيني ذكراً كان أو أنثى، صغيراً أو كبيراً، واللامبالاة الإسرائيلية حاضرة، وبصورة وحشية، حين لا يسمع ممارسوها قولاً لكل ما يصدر عن دول العالم التي آمنت بمعطيات القانون الدولي، إنها اللا مبالاة التي لا ترى إلا ما يبهج نظرها، ولا تسمع إلا ما يريح سمعها، ولا تنصاع لأي قول صاغته القوانين والقيم والتجارب الإنسانية، واللامبالاة الإسرائيلية كائن خرافي عطش للدم، مصاب بالاستسقاء تجاه الدم الذي لا بد من سفكه يومياً، فالبادي الإسرائيلي، والمعروف بين الإسرائيليين هو أكثرهم ميلاً للتطرّف والمناداة بالدموية والغطرسة والبطش والتدمير، إنها اللامبالاة الإسرائيلية التي تمنح البطولة لسفّاكي الدم كيما يصيروا ملوكاً للدم، وأهل وجاهة ومكانة بين الآخرين.
لكن كيف تتبنّى هذه الكيانية الصهيونية هذه اللامبالاة حتى أصبحت ثقافة تتميّز بها أمام الآخرين، وكيف تحافظ عليها على الرغم مما فيها من قناعات فاشية، وسلوكيات قذرة، وللاجابة أقول إنّ اعتماد هذه الكيانية الصهيونية على قوة الغرب بما في ذلك أمريكا، من جهة، وتبني هذا الغرب لها، وفي كل شيء، رغم كل تصرفاتها القبيحة واللاإنسانية من جهة أخرى، هو الذي يجعل هذه اللامبالاة ثقافة إسرائيلية أو قل عقيدة إسرائيلية، باتت، ومنذ أزمنة بعيدة, لا تهاب أحداً، ولا تحسب حساباً لأحد، ولا تخشى سلوكاً أياً كانت قباحاته ونذالاته، ولا تخاف العواقب مهما اشتط قولها، كما لا تخاف لوما أو تقريعا مهما تغوّلت في سفك دم الفلسطينيين، وذلك منذ 76 سنة، وحتى هذه الساعة، لأنها تعرف الخواتيم، أي تعرف النتائج، فالغرب لن يتخلّى عنها ولن يؤذيها، ولن يراجع قولا لها أو سلوكاً ، ولن يشاغب على صورتها، ولو ببخار مصنع، أو ضباب مصنع، إنها اللامبالاة التي تتجاهل نتائج كل فعل إسرائيلي أخرق، أيا كانت صورته، وأياً كانت مفاعيله على الصعيد الإنساني لأنّ الغرب هو الداعم والحامي والمدافع والمؤيد لهذه الكيانية منذ أن أسست فوق ترابنا الفلسطيني العزيز.. إنها اللامبالاة المتفلتة من كل حسيب أو رقيب.
نعم، بهذه اللامبالاة الهيّافة، قتل الإسرائيليون، وخلال ستة شهور، ستين ألف مواطن فلسطيني وأزيد، وغالبيتهم أطفال ونساء وشيوخ، نصفهم أو أقل تحت البيوت التي دمّرت عليهم، وجرح واعتقل مئة ألف مواطن فلسطيني، وأكثر، واقترفوا إزاحة 85% من بيوت قطاع غزة وأكثر، وعطّلوا الدراسة طوال عام، وشلّوا الحياة شللاً لم يعرفه العالم طوال تاريخه، وأجهضوا حمل 50 ألف امرأة وأكثر، وأخرجوا 96% من مستشفيات غزة من الخدمة، وأشاعوا السرقة، والتزوير، وأوجدوا ألف مقبرة وأزيد.
إنها اللامبالاة التي تمشي على قدمين في الكيانية الإسرائيلية، وبيدين حاملتين لكل أنواع السلاح، وبعقل لا يحتاج إلى سبب كي يقتل ويجرح ويدمّر! ومع ذلك هي اللامبالاة المؤيدة بالثناء والتصفيق والمساندة الغربيةارتماءً وانحناءً وافتتاناً بالقوة الإسرائيلية التي لا تؤمن بأي معطى إنساني أو أي قيمة نبيلة، إنها اللامبالاة السادرة في غيها، والغي انطفاء.. وموت.
Hasanhamid55@yahoo.com