ثقافةصحيفة البعث

مشاركة أوروبية كبيرة في مهرجان “الأورغن والموسيقا”

ملده شويكاني

تألقت آلة الأورغن التي تعدّ كنزاً من كنوز سورية في دار الأوبرا بموعدها السنوي مع جمهورها، الذي يصغي إلى أبعاد أصواتها المركبة وفخامة موسيقاها بشغف سواء للمقطوعات الكنسية أم الكلاسيكية، ضمن أمسيات مهرجان “الأورغن والموسيقا في سورية لعام 2024 بالتعاون بين وزارة الثقافة -دار الأسد للثقافة والفنون- ورهبانية اللاتين حراسة الأرض المقدسة.

وعلى الرغم من أن المهرجان الذي بدأ واستمر خلال سنوات الحرب والحصار وحرص على استضافة عازفين أوروبيين في كل موسم وحقق حضوراً دولياً، إلا أنه في هذا الموسم فاق كل النجاحات، وتميّز بمشاركة أوروبية واسعة باستضافة عازفين أوروبيين من إيطاليا والنمسا وإسبانيا ليس فقط لعازفي الأورغن وإنما للكمان والبيانو، كما أقيمت أمسية في كنيسة اللاتين في الصالحية بمشاركة كورال الحجرة وكورال وأوركسترا المعهد العالي للموسيقا بقيادة المدير العام لدار الأوبرا المايسترو ميساك باغبودريان، ما أعطى حضوراً أكبر وأبهى لهذه الآلة الفريدة في الشرق الأوسط.

وخلال أمسيات المهرجان في دار الأوبرا شارك عازف الأورغن الإسباني “آرون ريباس زوريللا” الملتزم بأداء موسيقا الأورغن المعاصرة، بالإضافة إلى خبرته ببناء آلة الأورغن بأمسية عزف منفرد بمشاركة الفرقة السيمفونية الوطنية السورية بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان، وكانت حافلة بأنماط موسيقية مختلفة لمؤلفين من مراحل مختلفة كلاسيكية ومعاصرة، تراوحت بين الحلم والزخم الموسيقي القوي في المقطوعات التي شارك فيها أعضاء الفرقة العازف آرون ريباس زوريللا.

فبدأ بالعزف المنفرد بمقدمة وفوغ -نوع من أنواع القطع الموسيقية- سلم دو مينور ـ مصنف 547 للمؤلف يوهان سيباستيان باخ، بلحن رقيق ومن ثم الدمج بين الصوت الرقيق والرخيم للآلة تخللتها وقفات بالصوت الرخيم. بينما اختلفت ألحان الأورغن بمقطوعة جميلة جداً مع فريدريك شوبان -مقطوعة ليلية- سلم مي بيمول ماجور ـ مصنف 9ـ رقم2 بالامتدادات اللحنية الهادئة.

وبنمط موسيقي آخر عزف زوريللا مقطوعة معاصرة للمؤلف لويس فييرن -للحركة الثالثة- سكيرتز – (مزحة) من العمل السيمفوني رقم 6- مصنف 59، اتسمت بتتالي الجمل الموسيقية القصيرة بإيقاع حيوي. لينتقل زوريللا إلى اللحن الهادئ بمقطوعة كلود ديبوسي بما يشبه الحلم –بمتتالية من بير غامو- الحركة الثالثة ـ ضوء القمر- بألحانها الشفافة والراقصة.

وعودة إلى العمل السيمفوني رقم 6- مصنف 59- الحركة الخامسة -ختام- للمؤلف ذاته لويس فييرن، التي بدت قوية وبُنيت على تصاعد موسيقي للألحان المركبة للأورغن، وبدرجة صوت مرتفعة في مواضع.

الفاصل بالأمسية بدخول أعضاء الفرقة السيمفونية الوطنية السورية بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان، والتحاور مع الأورغن بمقطوعة رائعة بعنوان فانتازيا حوارية للمؤلف ليون بويلمان، عبّرت منذ اللحظات الأولى عن الزخم الموسيقي القوي بتصاعد دور النحاسيات ومن ثم التحاور مع عازف الأورغن زوريللا والفرقة، وبدور آلات النفخ الخشبية والوتريات بالتحاور مع الأورغن بلحنه الرقيق، ليتصاعد دور التيمباني كفاصل صغير، وعودة إلى النحاسيات ليأخذ الأورغن دوره من جديد مع الفلوت في جزئية لحنية، وتخلل الفانتازيا عزف منفرد للأورغن، ومن ثم تتداخل الألحان بمشهد احتفالي بضربات التيمباني والصنجات مع الفرقة.

الزخم الموسيقي بدا أقوى في المقطوعة النهائية للعمل السيمفوني للمؤلف شارل ماري فيدور بسيمفونية لآلة الأورغن والأوركسترا ـ مصنف رقم 42 مكرر، والمؤلف من ثلاث حركات، فأخذت الفرقة دورها الأكبر بتشاركية جميع الآلات وبالتحاور مع الأورغن، ولاسيما بالحركة الأولى -حركة حيوية ومهيبة- إذ أخذ فيها الأورغن دوره باللحن الرخيم بتشاركية مع الباصون في جزء صغير، لكن الحركة الثانية -الحركة البطيئة- كانت أجمل بالامتدادات اللحنية الرقيقة للأورغن بالعزف المنفرد، لتأتي الحركة الثالثة -حركة ختام حيوية- بتلاحم موسيقي متصاعد عبّر عن قوة التواصل بين أعضاء الفرقة وعازف الأورغن، تخللتها حوارية بين الأورغن والوتريات، لتمضي الألحان المتصاعدة تمهيداً لمتتالية التيمباني والقفلة القوية للفرقة ككل بتفاعل كبير مع جمهور الأوبرا.