حيْرة
عبد الكريم النّاعم
دخل صديقه بملامح حائرة، فسأله: “ما بك؟”.
قال: “أتابع، بقدر استطاعتي، ما يدور في الأرض المحتلّة في فلسطين، وهي الآن بؤرة الحَدث الأكثر سخونة، فأرى نفسي كمَن يسير على محيط الدّائرة التي لا يُعرَف لها أوّل من آخر!!”.
أجابه: “معك حقّ، لست الوحيد في ذلك، فثمّة العديد من المعلّقين، والمُتابعين مشهود لهم، هم مثلك، ولا غرابة”.
قاطعه: “تقول ولا غرابة”.
أجابه: “نعم لا غرابة، فما يجري، بتفصيلاته، يتعمّد فيه اللآّعب الأمريكي، وهو اللاعب الأكبر، ويسير خلفه مجموعة من دول أوروبا الفاعلة،.. يتعمّد أن يكون مُبْهماً، بهدف خلط الأوراق خلطاً يصعب تخليصها من بعضها، لجرّ العقول نحو تلك المتاهة، وهو تضليل يحدث في السياسة، كما يحدث في المعارك العسكريّة، وهو خيار خبيث مدروس، من بعض إنجازاته تقديم تغطية لمواقف حكام العرب الماشين وراء أمريكا على عماها، فهم يستنكرون لفظيّاً بعض ما يرتسم، بحثاً عن ورقة توت “وطنيّة” !!، وهذا قد، أقول قد، يساعد هؤلاء الحكام على أن تبدو مواقفهم مسوَّغة”.
قاطعه: “هذا يعيدني إلى ما سبق وقلته حول أنّ المعركة طويلة”.
أجابه: “في المعارك الحاسمة، أو لنقل الحاسمة ولو جزئيّاً، تبدأ الحرب، وربما كان في نيّة من بدأها الوصول إلى مواقع محدَّدة، فإذا بالتطوّرات على الأرض تذهب في اتّجاهات أخرى، وأعود إلى التذكير بالحرب العالميّة الثانية التي بدأتْها ألمانيا، وكانت ترغب في الفوز، فحدثتْ تحوّلات أدّتْ إلى هزيمتها هزيمة مُنكّرَة”.
قاطعه: “هل تُشير ضمناً إلى أنّ ما يجري الآن فيه ملامح اشتباك عالميّة؟”.
أجابه: “وهنا يبدو التعبير في حيْرة، لذا يمكن القول إنّها شبه حرب عالميّة، ويرجّح هذه الرؤية مواقف الدول الأوروبيّة الفاعلة، والتي لم تكتف بمدّ إسرائيل بالمال والسلاح والعتاد، بل والإعلام فهم يمنعون نقل الأخبار التي تنشرها فضائيّة الميادين، بل ويحاصرون نشر الصور التي تنقل واقع الخراب والدمار في غزّة.
قاطعه: “واشنطن تمدّ تل أبيب بمليارات الدولارات، والسلاح، والفيتو في مجلس الأمن، ومعها معظم دول أوروبا، يضاف إليهم صمت حكام العرب السائرين في ركب أمريكا، وحلف المقاومة يقف وحيداً، إلاّ من بعض الدعم المعنوي من أصدقائه، فإلى أيّ مدى يمكن أن يستمرّ هذا الحلف؟”.
أجابه: “هل ثمّة خيار آخر؟ نحن أمام خيار وحيد، المقاومة أو الاستسلام، والاستسلام يعني العبوديّة والذلّ”.
قاطعه: “واشنطن دولة عظمى، ولديها مفكرون استراتيجيون في كلّ الاختصاصات، أفلا يرى هؤلاء أنّ وقائع المجريات، تضع بلادهم على حافّة الهزيمة في حال فشلهم؟”.
أجابه: “بظني أنّ ثمّة بدائل ستلجأ إليها واشنطن، من دون التخلّي عن حماية إسرائيل، ومنها أن تتمكّن من إحداث خرق داخل الصفّ الفلسطيني، مدعوماً بما يُسمّى بعرب أمريكا، فيحدث انشقاق داخلي، يترأسّه طرف فلسطيني من أيتام أوسلو، وبذلك يظهر التصدّع في جانبنا بدلاً من ظهوره في المجتمع الإسرائيلي الذي يرى أنّ معركته معركة وجود، فهو متشابك متماسك الآن، ولا تبدو آثار التشقّق فيه، ويحتاج إلى مرحلة يتوقّف فيها القتال لتأخذ الصدوع بالظهور، وواشنطن تُدرك هذا كما يدركه قادة صهاينة، ولذا فهم يراهنون على إطالة أمد المعركة لِما يحمله توقّف القتال من أخطار، على الرغم من تكاليف الحرب الباهظة ماديّاً، ونفسيّاً، وفضائحيّة”.
قاطعه: “إنّ هزيمة أمريكا وإسرائيل تبدو لي غير ممكنة الآن، وأنا في حيرة”.
أجابه: “الأمانة في عنق حلف المقاومة، وأحرار العالم، لمنْع أمريكا من تحقيق بُغية إسرائيل، وهذا وحده يُعتبَر انتصاراً، ومُقدّمة لِما سيأتي”.
aaalnaem@gmail.com