موسكو تفتح طرقاً تجارية جديدة
تقرير إخباري
يدرك استراتيجيو الإمبراطورية تماماً أن “العالم المتعدد الأقطاب” الذي يهدّد هيمنتهم، بعيداً عن الضعف، يتعزّز من خلال العقوبات والحروب بالوكالة التي تحيك خيوطها وتموّلها هذه الإمبراطورية العمياء. فكيف يفسّر إذن هذا العناد الذي يدفعها إلى إطلاق مليارات الدولارات لدفع تايوان و”إسرائيل” وأوكرانيا وغيرها نحو صدام مباشر مع أركان بريكس+ والتهديد بعقوبات جديدة.
لم يعُد هناك المزيد من العقوبات لفرضها على المصالح الروسية، بل تحوّلت إلى سرقة موصوفة. ذلك لأن الأمر يتعلق بتحضير الشعوب والاقتصادات الغربية، بوتيرة الحرب، لمرحلة المواجهة المفتوحة التي تقترب الآن بسرعة عالية، تتويجاً لعقدين من الاستعداد المكثف من الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
ومن أجل الإفلات من العقوبات الغربية، يسعى الكرملين إلى إعادة تصميم التجارة العالمية، حيث أعلنت روسيا مؤخراً أن التجارة الثنائية مع الصين أصبحت مستقلة بشكل كامل تقريباً عن الدولار الأمريكي، ما يسلّط الضوء على نية البلدين تقليل اعتمادهما على النظام الاقتصادي الذي تقوده الولايات المتحدة، وهما لا تسعيان فقط إلى تقليل اعتمادهما على العملة التي يهيمن عليها الغرب، كما تسمح لهما جهودهما الرامية إلى “التخلي عن الدولار” بالإفلات من عدد لا يُحصى من العقوبات التي تمنع روسيا من استخدام الأسواق الدولية. فمنذ عام 2022، أحدثت العقوبات الغربية طفرة حقيقية في العلاقات التجارية بين موسكو وبكين، مع زيادة هذا العام بنسبة 26%، ليبلغ إجماليّها 240 مليار دولار أمريكي. والصين الآن هي أكبر مستورد للنفط الروسي، ولكن للهروب من العقوبات الغربية القاسية، لا تعتمد روسيا على إلغاء الدولار وحده، حيث أوضح المسؤولون الروس في اجتماع في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، أن الكرملين يستثمر مليارات الدولارات لتطوير طرق تجارية جديدة في آسيا. وتتضمّن الخطة ممرين جديدين: بين روسيا وقرغيزستان عبر بحر قزوين من جهة، وبين بيلاروسيا وباكستان من جهة أخرى، إذ تساعد هذه المشاريع على إعادة توجيه التدفقات الاقتصادية وتعزيز المشاريع المتقدمة مثل الممر بين الشمال والجنوب. وسيربط خط السكة الحديد هذا، المصمّم في عام 2000، روسيا بالمحيط الهندي عبر إيران. وبعد سنوات من التأخير، قدمت موسكو 1.3 مليار يورو لطهران العام الماضي لبناء قسمها من السكك الحديد. هنا، يوضح سيرغي إيفانوف، المندوب الرئاسي للقضايا البيئية، أن هذا الممر سيسمح لروسيا بالوصول المباشر إلى الخليج العربي، وأنه “آمن تماماً من العقوبات.
وتعتمد قدرة روسيا والصين على تطوير علاقاتهما التجارية على التقارب بين أنظمتهما المصرفية، وكلاهما يخضع لعقوبات تقيد تفاعلهما مع الغرب. فمنذ بدء عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، فرضت الولايات المتحدة وأوروبا عقوباتٍ صارمة على روسيا، وأثرت هذه العقوبات بشكل خاص في قدرة الكرملين على تصدير نفطه إلى الغرب وبيعه بأسعار تنافسية. بالنسبة لمسؤول أطلسي، أثر الضغط الأمريكي أيضاً في التقارب الاقتصادي بين روسيا والصين، التي تخشى العواقب من الغرب إذا دعمت موسكو علناً، ويستشهد على ذلك بزيارة وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى بكين مؤخراً، حيث حذر الرئيس شي جين بينغ من أن واشنطن لا تنظر بشكل إيجابي إلى الدعم الذي تقدّمه الصين للجهاز العسكري الروسي. بالمقابل، تدرك الولايات المتحدة أن فرض عقوبات ثانوية على الكيانات الصينية سيُنظر إليه على أنه نهج عدائي للغاية من الصين، ولا يمكن أن يؤدّي إلا إلى زيادة التوترات بين هذين البلدين.
هيفاء علي