هل سيشهد العالم حرباً عالمية ثالثة؟
ريا خوري
ما زالت مفاعيل الحرب الأوكرانية الساخنة في تصاعد مستمرّ دون توقف، فقد شهدت الأراضي الأوكرانية عملياتٍ عسكرية روسية نوعية ضد الجيش الأوكراني المدعوم من القوى العسكرية لدول حلف شمال الأطلسي (ناتو)، شملت تلك العمليات النوعية العاصمة الأوكرانية كييف، حيث ضربت البنى التحتية للغاز والطاقة بأنواعها، كما ضربت المصانع العسكرية الأوكرانية التي تنتج السلاح بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وبعض دول الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد نفاد الأسلحة والذخائر بعد عدة أشهر من العمليات العسكرية الساخنة. وكان بافل كليمين وزير الخارجية الأوكراني السابق قد صرَّح بتلك المعلومات، وعلى الرغم من إعلان القيادة الروسية مراتٍ عدّة على لسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف أن روسيا الاتحادية ليست لديها أيّة نيَّة لمهاجمة دول حلف شمال الأطلسي (ناتو)، لكن الغرب الأمريكي ـ الأوروبي هو الذي يصرُّ على أن روسيا الاتحادية خصم له، وعلى الرغم من أنَّ الحلف قد استبعد على لسان الأميرال الهولندي روب باور رئيس اللجنة العسكرية في الحلف عدم وجود دلائل أو مؤشرات تدلُّ على أنَّ روسيا الاتحادية تخطِّط لغزو أية دولة في حلف (الناتو)، إلا أنّ الحرب الدائرة في أوكرانيا تسير وفق منهج محدّد قد يؤدّي إلى عكس ذلك، أي إلى مواجهة عسكرية مفتوحة بين روسيا الاتحادية وحلف شمال الأطلسي، وخاصّة في أعقاب الإعلان الرسمي من دول حلف (الناتو) عن تزويد القوات الأوكرانية بمقاتلات حربية أمريكية (إف16)، حيث هدَّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإسقاطها وتدميرها في حال تسليمها إلى الجيش الأوكراني، الذي قال: (إذا ما تم إطلاق تلك الطائرات الحربية الأمريكية من دولة ثالثة فإنها ستصبح هدفاً مشروعاً للقوات الروسية أينما كانت). كان ذلك رداً على التصريحات التي أدلى بها ديمتري كوليبا وزير الخارجية الأوكراني الذي قال: إن أوكرانيا تتوقع تسلّم مقاتلات حربية أمريكية الصنع (إف16) خلال فترة قليلة قادمة.
الجدير بالذكر أن الاستخبارات الروسية قد كشفت عن وجود دورات تدريب للطيارين الأوكرانيين على المقاتلات الأمريكية (إف 16) في بولندا والعديد من الدول الأوروبية، تمهيداً لتسليم القوات الجوية الأوكرانية تلك الطائرات. وهذا سيؤدّي لا محالة إلى مواجهة عسكرية مفتوحة ومباشرة بين روسيا الاتحادية وبولندا على وجه الخصوص، وهي دولة عضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو) منذ عام 2004، الأمر الذي سيضطرّه إلى تفعيل المادَّة الخامسة من ميثاقه التي تنص بوضوحٍ تام على أنَّ: (أي هجوم مسلَّح ضد إحدى الدول الأعضاء، يعدّ هجوماً ضد الجميع، ويجب على الأعضاء الآخرين مساعدة العضو المُعتدى عليه حتى لو تطلّب الأمر استخدام القوة المسلحة). وكان جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأميركي، قد قال: إذا أطلقت روسيا الاتحادية (رصاصة واحدة) على أراضي بلد عضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، فسيتم تفعيل المادة الخامسة من معاهدة الحلف، و(سيجنّد حلف الناتو كل قوته للردّ على ذلك).
إنَّ تلك العملية ستفضي لا محالة إلى نشوب حرب طاحنة ودموية لا أحد يعرف حدّاً لها. فإذا ما تم تسليم المقاتلات الأمريكية (إف16) من بولندا، وهو الأمر المرجّح، ولكون بولندا تقوم بتدريب الطيارين الأوكرانيين على هذا الطراز من المقاتلات، فإن هذه المقاتلات سوف تستخدم المطارات البولندية في الإقلاع متجهة ضد القوات الروسية، نظراً لأن معظم مدارج الطائرات في أوكرانيا قد تمَّ تدميرها بالكامل، وهي غير صالحة للاستعمال أبداً، وبما أن روسيا الاتحادية هدَّدت بتدميرها وإسقاطها أينما كانت فإنها سوف تصبح هدفاً للصواريخ والطائرات الروسية، ما يؤدّي إلى اندلاع مواجهة عسكرية مباشرة بين روسيا الاتحادية وبولندا، وبالتالي سوف يتدخّل حلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى جانب وارسو.
لذلك لم يستبعد لاري جونسون المحلِّل السابق بوكالة المخابرات الأمريكية قيام الجيش الروسي بضرب قواعد حلف شمال الأطلسي (ناتو) في بولندا ورومانيا، كما أن ديمتري بوليانسكي النائب الأول لمندوب روسيا الاتحادية الدائم لدى الأمم المتحدة أعلن أنّ عدداً من المسؤولين الأوروبيين الكبار يريدون تصعيد النزاع الأوكراني إلى أبعد مدى، والارتقاء به إلى مستوى جديد من التصعيد الدامي، بحيث إنّهُ لم يَعُد نِزاعاً غير مباشر، بل هو نزاع مباشر بين جمهورية روسيا الاتحادية وحلف شمال الأطلسي (ناتو).
هذه العمليات الدراماتيكية المتسارعة تذكرنا بما حصل في الأول من شهر أيلول عام 1939م عندما اجتاحت الجيوش الألمانية بولندا التي كانت الشرارة الأولى لبداية الحرب العالمية الثانية التي شاركت فيها معظم دول العالم، ومنها الدول العظمى المؤلفة من حلفين عسكريين متنازعين هما: دول المحور وقوات الحلفاء، حيث كانت الحرب الأوسع في التاريخ الحديث وشارك فيها بشكلٍ مباشر أكثر من مئة مليون شخص من أكثر من ثلاثين بلداً. وقد وضعت الدول الرئيسية المشاركة في الحرب كل قدراتها العسكرية والاقتصادية والعلمية والصناعية في خدمة العمل العسكري والمجهود الحربي. وكانت تلك الحرب قد حسمت خلال عدة أسابيع من اجتياح ألمانيا لبولندا. فهل سيشهد العالم اليوم الخطوات الأولى لحرب عالمية ثالثة تبدأ في بولندا؟.
الجواب تحمله الأيام المقبلة.