من المسؤول عن معيار لـ “البالغين”؟
غالية خوجة
لماذا لا تهتم الأعمال الفنية والأدبية كما يجب بأعمار القراء التي توجهها إليهم، على الرغم من أن ذلك أصبح معروفاً عرفاً عالمياً؟
نلاحظ أن غالبية المسرحيات والإصدارات والأفلام والأغاني والمواقع ووسائل التواصل الاجتماعي، وما يتضمنه عالم الترجمة، وما تعرضه الشاشات المختلفة، من تلفاز وسينما وعالم افتراضي ـ عدا “اليوتيوب” غالباً – لا تراعي سنّ المتلقي كمعيار من معايير الاستهداف والرسالة، ومنها الأجناس الأدبية، على الرغم من أنه معيار حساس وجوهري، لأنه يساهم في بناء الإنسان وتأسيسه على الوعي الإنساني المضاء بالقيم والتعامل الأخلاقي والحضاري كمنهجية أقرب للذات والآخر والمجتمع الإنساني، ولا تحدّها أزمنة وأمكنة.
لذلك، لا بد من إعادة صياغة الأعمال المقدّمة للناس ضمن معيارية تهتم بما أتى به علم النفس، وتهتم برسالة الآداب والفنون المتنوعة لكونها، بلا شك، رسالة جمالية متكاملة مضموناً وأسلوباً وصياغة، لكنها، وبكل تأكيد، ليست رسالة تتعدّى الحدود المعروفة إلى ما لا نهاية، لأن من أهداف أي رسالة علمية وثقافية وفنية وأدبية واجتماعية صياغة الدواخل الإنسانية وأعماقها بتوعية علمية فنية تربوية خلوقة، وإلاّ لا فرق بينها وما يقدّم في المجالات الأخرى والبيئات المختلفة عن بيئتنا سواء في سوريتنا الحبيبة، أو وطننا العربي.
ومن المعروف أن هناك ما يوجّه إلى الطفولة الأولى والثانية واليافعين والشباب والبالغين، وبكل يقين، وتوافقني الغالبية، بأن فتح الحدود والمعايير المسماة بالخطوط الحمراء غير مسموحة لهذه الأعمار، ولا بدّ من معايير تشكّل حدوداً تبني الإنسان، ولا ترسّب في بنيته وتكوينه سلبيات تمتد من البعد الذاتي إلى الفضاء الاجتماعي، وما يرافقها من مآزق متشابكة، كنتائج لمقدمات أخلّت بهذا المعيار الحدودي المنهجي العابر للأجناس والزمكانية.
طبعاً، من الممكن أن نوظف هذا المعيار المنهجي الراقي بكيفية متناغمة في كل الاتجاهات العلمية والأدبية والثقافية الإيجابية، لأن رسائل وأهداف هذه المجالات تكمن في العمل على إضاءة الأعماق بإشراقات ثقافية معرفية جديدة مناسبة ومتناسبة مع كل عصر، متكاملة مع الكيفية الأسلوبية الشفافة الموظفة للمعلومات المناسبة بمُجمَل أنواعها وتنويعاتها، وبمختلف أشكال التناغم والتكامل الإبداعية.
ومن الملاحظ أن الأعمال المهتمة بالفئات العمرية التي تتوجه إليها تتسم بدراسة علمية وموضوعية للنفس، بالإضافة إلى دراستها للشخصيات القارئة التي تخصهم بأهدافها المتعددة مثل غنى المعلومة، ومساعدتهم على الإثراء اللغوي، وتفعيل الذكاء في بنية الدلالة والمدلول، والمساعدة على تحفيز الخيال، والعمل على تقوية الشخصية وأبعادها من خلال قوة التفكير وتحريك الساكن من الذهن، والانتباه للتفكيك والتركيب، والتفاعل مع العمل كشريك أساس.
ولمن يتساءل “لماذا أجيالنا الشابة تتجه إلى القراءة بلغة ثانية، أو تفضّل قراءة الكتب المترجمة المهتمة بتنمية الشخصية وتطويرها، سواء ككتب نظرية، أو أدبية، أو علمية؟”، نقول: الإجابة واضحة، لأن غالبية ما ينشر في هذا المجال غير مدروس منهجياً من أغلب الزوايا والفضاءات، ولربما لا يضيف الجديد للقارئ المستهدف ضمن الفئة العمرية، وليس قريباً من عوامل الجذب والتشويق، خصوصاً، في زمن تكنولوجي يغلّف أهدافه المدسوسة بجمالية ممتعة، فيصطاد القراء المستهدفين، ويغرس في أعماقهم ما لن تستطيع العائلة والبيئة الاجتماعية والجهات التعليمية والكتب والبرامج الأخرى أن تعالجه، وهنا، تجدر الإشارة إلى أن المعالجة كما الأعمال الإبداعية المتنوعة تحتاج لأن تكون غير مباشرة تربوياً وتوجيهياً وتعليمياً.