أين نحن… وأين هم؟!!
قسيم دحدل
لم يهتمّ بتراجع مبيعات سياراته الكهربائية وانهيار هوامش أرباح شركته، بل ركز بدلاً من ذلك على تخيّل مشروع الـ”روبوتاكسي”، حيث انخفض متوسط سعر السيارة الكهربائية من “تسلا” بنحو 12 ألف دولار على الرغم من تراجع تكلفة التصنيع بأقل من 5 آلاف دولار فقط، وذلك منذ الربع الثاني من عام 2022 عندما ارتفعت إيرادات الشركة عن كلّ سيارة إلى نحو 56 ألف دولار. وهكذا تبدّد ما يزيد على نصف مجمل الربح عن كل سيارة (جميع هذه الأرقام تستثني إيرادات الشركة من بيع أرصدة غازات الاحتباس الحراري).
ولأجل ذلك جاءت زيارة إيلون ماسك إلى الصين، بهدف تطوير “تسلا” لتصبح ذاتية القيادة، حيث رحّب الصينيون بذلك، وأكدوا له إمكانية التنفيذ وبتكلفة مخفَّضة لا تصدق.
ما تقدّم ليس مربط فرسنا، وإنما هو مدخل لمقارنة (رغم أنه لا مجال مطلقاً لأي وجه من المقارنة) مع وضع قطاع السيارات لدينا، سواء لناحية التصنيع أو التجميع أو الأسعار وكذلك البيع والشراء.
المقارنة فرضتها مشاهد السيارات المركونة ولساعات طوال -نهاراً وليلاً- على جوانب الطرقات وفي كل مكان بشكل عام، وسيارات الأجرة “التكاسي” بشكل خاص، لأسباب تبدأ بارتفاع أسعار مادة البنزين، التي لا مؤشر لتوقيفه، ولا تنتهي بالكلف الباهظة لاحتياجات عمل السيارة؟!.
لن نتناول الجدوى الاقتصادية لواقع تلك السيارات المركونة، التي لو كانت هناك دراسة اقتصادية ومالية لإجمالي أثمانها فقط، لكان الرقم صادماً جداً. كتلة مالية بآلاف المليارات مجمّدة على الطرقات، كان من الممكن أن يُشغَّل قسم مهمّ منها في توظيفات استثمارية، عوضاً عن حالة العطالة التي لم ينتج عنها سوى أموال مجمدة، لو كان هناك نقل داخلي متعدّد الوسائط يلبي خدمات النقل العام العصرية تحت الأرض وفوقها!.
هذا ناهيك عن فوات المنفعة التشغيلية لها، بسبب أسعار البنزين (وطول مدة الرسالة وقلة المخصّصات) وكذلك أسعار قطع الغيار والإصلاح ومستلزمات الاستثمار، التي أصبحت غير مستطاع عليها للكثير من أصحاب السيارات، ونخصّ بالذكر هنا أصحاب “التكاسي” الذين وصلوا إلى حالة مالية مزرية، نتيجة لتلك الأسعار التي فرضت بدورها عليهم، رفعاً لأسعار خدماتهم، ما أدى لتراجع خطير في استخدام واسطة النقل هذه، الأمر الذي بدأ يهدّد معيشة عشرات الآلاف من المعتمدين عليها كمصدر رزق!.
مشهد مؤلم ومحزن ونحن نرى سيارات الخدمة تصطف تنتظر -ربما لساعات- زبوناً ربما يأتي أو لا!، ورغم ذلك لا نجد جهة معنية تعمل من أجل وضع حدّ لما يحدث، واستباق ما قد يترتب على ذلك من وقوع شريحة كبيرة في براثن الفقر المدقع، نتيجة لغياب السياسات التي تهتمّ بمصير أمثال تلك الشريحة الهشة معيشياً، التي وصل بها الحدّ لبيع مخصصات سيارتها من البنزين لمحطات الوقود بشروط مؤلمة، حيث استغلال المحطات لذلك في أبشع طرقه!.
أسطول من سيارات الخدمة التي عفا عليها الزمن، تعاند الزمن الاستثماري المحدّد لها، ومع ذلك لا تزال أسعارها في صعود دائم بخلاف أي منطق اقتصادي، بينما أسعار سيارة “تسلا” الكهربائية (أحدث سيارة وتكنولوجيا في العالم) تنخفض بمقدار 12 ألف دولار على الرغم من تراجع تكلفة التصنيع بأقل من 5 آلاف دولار فقط!!.
فأين نحن وأين هم، وكيف نحن نفكر ونعمل وكيف هم يفكرون ويعملون ويخططون؟!!.
نخسر وندفع فوق الخسارة، وننتظر بعضنا كي يصبح في عداد الواقعين تحت خط الفقر المدقع، ومع ذلك لا نحرك ساكناً، وإنما نستولد الضرائب والرسوم وزيادة الأسعار على مطارح هي بالأساس بحاجة للدعم وبالسرعة العاجلة، كي لا تصبح العائلات التي تعتاش من “التكاسي” وحتى تلك العائلات التي أصبحت تعتاش من سيارتها الخاصة من خلال “يلا قوو” مثلاً، عبئاً آخر من الأعباء التي تقصم ظهر اقتصادنا وتفاقم حالاتنا الاجتماعية والمعيشية تفاقماً مرعباً!!.
ليس أخيراً.. لا يسعنا إلا التنبيه إلى والتحذير مما يحدث ومما هو مُقبل، إذ لا نستغرب غداً أن نجد السيارات الكهربائية “تسلا” في شوارعنا وعلى عينك يا تاجر.. عندها لن نجد ما يمكن أن يقال سوى: “العوض بسلامتكم”!!.
Qassim1965@gmail.com