“قناع بلون السماء” من سجن الاحتلال إلى الجائزة العالمية
أمينة عباس
لم يكن فوزُ الكاتب الفلسطيني باسم خندقجي، مؤخراً، بالجائزة العالمية للرواية العربية “البوكر” الدورة الـ 17 للعام 2024 عن روايته “قناع بلون السماء” إلا حدثاً استثنائياً، لأنها أوّل رواية عربية تتوّج بجائزة كتبها أسير قابع في سجون الاحتلال منذ عشرين عاماً، حيث لم يمنعه أسرُه وآسروه من التحليق خارج أسوار السجن ليكتب روايته بروح حرة طافت الأرض الفلسطينية.. يقول شقيق خندقجي الذي استلم الجائزة نيابة عن أخيه: “كُتبت الرواية خلال ستة أشهر، وواجهت صعوبات جمَّة، أهمها ادخال الكتب المطلوبة للأسير خندقجي وحاجته إلى ترتيبات خاصة تمكّنه من التدوين وإعادة نسخها ثانية وتهريبها إلى سجن آخر خشية مصادرتها، والرواية خارج السجن احتاجت وقتاً كبيراً للتجميع والتدقيق، حيث وصلت مجزأة عبر أسرى محررين”.
وأوضحت آمنة خندقجي ـ شقيقة الكاتب: “إخراجُ ما يكتبه الأسرى يتم بطرق معقّدة جداً، ومنها التهريب، وبمجرد ترشّح أخي للجائزة عمد الاحتلال إلى مصادرة كتبه وأوراقه”.
وكشفت الناشرة رنا إدريس ـ دار الآدابـ في تصريحات لها عن أن مخطوطات كثيرة تصلها لأسرى فلسطينيين، لكنها تحمّست لنشر رواية خندقجي من خلال التواصل مع أخيه يوسف الذي يُعدّ بمنزلة وكيله الأدبي، وبيَّنت أن معظم الأسرى يعتمدون على آلات تسجيل صغيرة تشبه القلم، غالية الثمن، تشتريها أسرُهم وتوصلها إليهم، وبعد أن يقوموا بتسجيل نصوصهم صوتياً يتولى أحد الأشخاص من أسرِهم تفريغ التسجيل الصوتي، وهذا ما قام به يوسف شقيق باسم، ثم يُعاد المخطوط مجدداً إلى الأسير لتحريره وإجراء التعديلات عليه.
وأجمع النقاد الذين قرأوا الراوية على أنها تجربة استثنائية واكبتْ ما يجري في غزة اليوم، وأن فوزها وما سيعقبه من دعاية وترجمات لها سوف يقدّم خدمات عظيمة للقضية الفلسطينية، خاصة وأنها قدّمت صيغة حداثية لأدب السجون تبتعد عن كتابة اليوميات واستدرار التعاطف، حيث انشغل كاتبها بما هو خارج جدران السجن، في حين وصفها رئيس لجنة تحكيم الجائزة الكاتب نبيل سليمان بالقول: “يندغم في قناع بلون السماء الشخصي بالسياسي في أساليب مبتكرة.. روايةٌ تغامر في تجريب صيغ سردية جديدة للثلاثية الكبرى: وعي الذات، ووعي الآخر، ووعي العالم، حيث يرمح التخييل مفككاً الواقع المعقد المرير والتشظي الأسري والتهجير والإبادة والعنصرية، كما اشتبكت فيها وازدهت جدائلُ التاريخ والأسطورة والحاضر والعصر، وتوقّد فيها النبض الإنساني كما توقدت فيها صبوات الحرية والتحرر من كل ما يشوه البشر، أفراداً ومجتمعات.. إنها رواية تعلن عن الحب والصداقة هويةً للإنسان فوق كل الانتماءات”، والقناع ـ بحسب بيان الجائزة ـ هو إشارة إلى هوية زرقاء يجدها “نور” عالم آثار مقيم بمخيم في رام الله، في جيب معطف قديم، صاحبها “إسرائيلي”، فيرتدي “نور” هذا القناع، وهكذا تبدأ رحلة رواية سردية متعددة الطبقات، يميزها بناء الشخصيات، والتجريب واسترجاع التاريخ وذاكرة الأماكن”.
أما ياسر سليمان رئيس مجلس أمناء الجائزة فأوضح قائلاً: “تجول رواية خندقجي في عوالم يتقاطع فيها الحاضر مع الماضي، وتصبح النكبة الفلسطينية نصباً تذكارياً بصفتها أثراً من آثار كارثة إنسانية، وتحفر رواية خندقجي في أعماق الأرض لتستنطق طبقاتها مفصحة عن سرديتها بلغة عربية صافية تجافي التكلّف وترفض الإغراق في اجترار الوجع”.
واختارت لجنة التحكيم الرواية الفائزة من بين 133 رواية لتكون أفضل رواية نُشرت بين تموز 2022 وحزيران 2023، وكان الفلسطيني عبر مسيرة الجائزة التي انطلقت عام 2008 حاضراً دوماً، ففي عام 2016 فاز الروائي الفلسطيني ربعي المدهون بالجائزة في دورتها التاسعة عن روايته “مصائر.. كونشرتو الهولوكوست والنكبة” وكان أول فلسطيني يفوز بالجائزة، وفي عام 2018 فاز الكاتب إبراهيم نصر الله بالجائزة في دورتها الحادية عشرة عن روايته “حرب الكلب الثانية”.
سيرة باسل خندقجي
ولد باسم خندقجي في عام 1983 ودرس في مدارس محافظة نابلس، والتحق بجامعة النجاح الوطنية للدراسة في قسم الصحافة والإعلام، واعتُقِل عام 2004 عندما كان في سنته الجامعية الأخيرة على يد قوات الاحتلال بعد عملية سوق الكرمل التي أدّت إلى مقتل 3 من قوات الاحتلال، وإصابة أكثر من 50 وحُكِم عليه في عام 2005 بثلاثة مؤبّدات، وبدأ رحلة الكتابة داخل السجن من خلال كتابته “مسودات عاشق وطن”، وهي عبارة عن 10 مقالات تحكي عن الهمّ الفلسطيني وتجربة الأسير الفلسطيني داخل السجون، ومن دواوينه الشعرية “طقوس المرّة الأولى” و”أنفاس قصيدة ليلية” وكتب دراسة عن المرأة الفلسطينية وكتاب “أنا الإنسان نداء من الغربة الحديدية” وصدرت له 6 روايات، منها “مسك الكفاية.. سيرة سيدة الظلال الحرة”، و”نرجس العزلة” التي أطلقها في ملتقى فلسطين الأول للرواية العربية عام 2017 في رام الله، ورواية “خسوف بدر الدين” الصادرة عام 2018 وهي رواية تاريخية تتحدّث عن البطل الصوفي بدر الدين في رحلة تمرّده، وترجمت بعض أعماله إلى اللغة الفرنسية، و”القناع” هي الرواية الأولى من مشروعه “ثلاثية المرايا” وتضم “سادن المحرقة” التي انتهى من كتابتها، و”شياطين مريم الجليلية” الجزء الثالث والأخير الذي يعكف على إعداده حالياً.