“بعث” ما بعد الرابع من أيار ليس كما قبله
بسام هاشم
لم يعد السؤال عما إذا كان البعث يستطيع أو لا يستطيع؟ فقد أحدثت تطورات الأشهر الأربعة الماضية واقعاً جديداً لم يعد ممكناً لا القفز من فوقه، ولا العودة به إلى الوراء إطلاقاً؛ وسواء تفاءل البعض أم تشاءم آخرون، فإن “الثورة المخملية” التي “تهدهد” الحزب، منذ منتصف كانون الأول الماضي، وضعت الجميع أمام خارطة عمل جديدة، بل وأجندة وطنية بمفاهيم وأدوات مختلفة.. وفي جميع الأحوال، لن يكون حال بعثيي ما بعد الاجتماع الموسع للجنة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي كما هو حال بعثيي اليوم أو الأمس، أبداً، لا على مستوى العمل العام، ولا حتى على المستوى السلوكي الشخصي؛ ولربما سيعيش بعض الرفاق نوعاً من الشعور بعدم الثبات، أو ربما بعدم التوازن، أقله في المرحلة الأولى، ولربما سيختلف الأمر كثيراً من حيث طبيعة العلاقة مع مؤسسات الدولة، ولكن “البعث” معنيٌّ، بداية، وقبل كل شيء، بإنجاز القفزة الكبرى إلى الأمام: “التطبيع” مع ذاته ومحيطه.. لقد دخل البعثيون الانتخابات الحالية على هذا الأساس، وسوف يستكملون المسيرة الرفاقية معاً، وبالتكاتف:
أولاً في إطار وحدة تنظيمية صلبة أثبتت حضورها جلية خلال الفترات الماضية، ولكنها معنية، ما بعد إلغاء المادة الثامنة الشهيرة، بالانفتاح على “الآخر”، الشريك في وطن وتضحيات سورية الحرب الكونية، بهدف إنجاز مهمة المرحلة المقبلة. وقد يعني ذلك، في جانب منه، توسيع قاعدة الحزب المجتمعية، ولكنه قد يعني، بالمقابل، للبعض الآخر، “إنهاء احتكار” تمثيل البعث لشرائح محددة، علينا أن نعترف أنها تحولت جذرياً، أو أنها لم تعد موجودة بصفتها تلك، على خلفية التطورات المجتمعية الهائلة التي أحدثها “البعث” خلال عقود من قيادته للدولة والمجتمع؛ وثانياً، من خلال تماسك فكري وإيديولوجي قد يحتاج، حسب طبيعة كل مرحلة، إلى مراجعات مستمرة وطويلة وضرورية..
عل كل حال، لن يكون “بعث” ما بعد الرابع من أيار، 2024، كما هو بعث العقود الستة الماضية، كما لن يستطيع أحد أن يتحدث من الآن فصاعداً عن “النظام السوري” – وليس “الدولة” أو “الجمهورية” العربية السورية. وسوف تسدّ الأفواه القذرة التي كانت تلوك بحقد، وطوال سنوات طويلة، بروباغاندا إخوانية – غربية أطلسية كاذبة لم تكن لتهم أي حر، ولم تكن لتعني لأي وطني شيئاً ذا قيمة، ولسوف نعطي درساً في المصداقية السياسية، وسوف ننجح في اختبار العلاقات العامة.. واختبارنا هو في أمام أنفسنا أولاً وآخراً.. سوف نقدم أنموذجاً متجدداً في “الوطنية السورية”، حيث التجانس في إطار العروبة الحضارية، والانتماء الواعي والهوية الدينامكية، وحيث ينهض الاعتماد على الذات والخبرات الوطنية بمثابة حجر الزاوية في عملية إعادة الإعمار التي نعيش اليوم إقلاعها الصعب وسط الضغوطات والعقوبات والحصارات الغربية.
لن يكون “بعث” ما بعد الرابع من أيار تنظيماً “شبه مغلق” أكثر ما يتسم به هو التقيد والانضباطية في محيط من التشكيك والحذر والريبة، ولن يكون هناك من سيسهر على التطبيق الصارم لتوجيهات وتعليمات تنظيمية قد تحتمل المزيد من الاستيضاح والأسئلة.. سوف يكون “بعث” ما بعد غد السبت مجرة وطنية هائلة وضخمة من رفاق يجدون فيه أحلامهم ومستقبلهم وهويتهم؛ وروّاد ومواطنين قدوة في دولة قانون هم الصف الأول في الدفاع عنها وحمايتها من متربصي الداخل والخارج، على اختلاف تراتبيتهم الاجتماعية والاقتصادية وثقافتهم ووعيهم.. “بعث” الغد تيار عريض يستلهم الانتصارات والإنجازات التي راكمتها “سورية البعث”، عبر إلهاماتها الوطنية وتطلعاتها القومية والحضارية.. “بعث” يبحث عن ناخبين وأنصار على الأرض، يدعمون سياساته ومبادراته، ولا يسبح في فضاء العموميات ويخاطب جماهير وكتلاً هلامية؛ حزب هو حاجة وطنية وقومية لا غنى عنها في زمن أفول الأحزاب أو عودة الأحزاب الوظيفيةّ!!
يستند التغيير القائم إلى حقيقة أن الشعب السوري يمتلك، بفعل ثقافته ونظامه السياسي، شخصية متميزة زادتها الحرب تأكيداً وجلتها موجات النزوح والهجرة التي خلفت ندوباً عديدة، ولكنها ثبّتت حقيقة راسخة وهي أن الشعب السوري شعب موهوب متعلم وعملي يحب الحياةـ، وستكون له، خلال سنوات، جالياته الفاعلة والمؤثرة والنافذة في قلب المتروبولات العالمية، وهو واقع جديد ينبغي على “البعث” أن يأخذه بالحسبان، وأن يبني عليه تنظيمياً، ويثري به أداءه ودوره الوطني والقومي.