ثقافةصحيفة البعث

محمد فتحي عبد العال: المستقبل للكتاب الإلكتروني

هويدا محمد مصطفى

جمع الكاتب المصري محمد فتحي عبد العال معظم فنون الأدب، فكتب القصة والرواية والمقالات والشعر والبحث التاريخي، وقدم نفسه بحرفية واسعة، واستطاع بلغته السردية أخذ القارىء لعالمه عبر ممرات الدهشة، وذلك من خلال طرح قضايا إنسانية واجتماعية ووطنية له الكثير من الإصدارات الأدبية والأبحاث وحصل على جوائز وتكريمات عديدة.
وفي بداية حوارنا معه، يقول: “أنا في الأساس كاتب مقالات وباحث علمي وتاريخي، وكتابة القصة والرواية والمسرحية بمنزلة قوالب أدبية حديثة، استخدمها لنقل أفكاري والتعبير عن مذهبي وما يجيش في صدري من خلالها، لأنها الأقرب إلى الشباب في عصرنا الحديث، إذ يفضلونها على سائر أشكال الأدب قديماً”، مشيراً إلى أنّه في بداياته كان متأثراً بالدكتور طه حسين وشديد الإعجاب بطريقته في طرح سيرته الذاتية عبر كتابه الشهير “الأيام”، يضيف: “وأعدّ نفسي مديناً له في توسيع أفقي، كذلك تأثرت بالطريقة الشيقة للدكتور منير علي الجنزوري في طرح القضايا العلمية بأسلوب شيق ورشيق”.
أمّا رسالة أدبه التي يعدّها كفن معاصر في نقل الواقع بأكثر عناصره وتفاصيله دقة، بالعين الثاقبة للأديب المتمرس عبر رسم صور حياتية وحقيقية بريشة من كلمات ومعان متدفقة تنبض بالحياة ومغردة بما هو كائن وساعية نحو التغيير والتطوير والتقويم لسلبيات المجتمع.
وحول تجربته الروائية والقصصية في ظل الحرب، يحدثنا عبد العال فيقول: “تجربتي الأخيرة التي تعدت الخمس سنوات بين ربوع أرشيف الصحافة المصرية النادر في أكثر من مائة عام، رصدت من خلاله الكثير من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي لا تزال تلقي بظلالها على واقعنا على الرغم من مضي سنوات عديدة عليها، وهو ما ساعدني في عملية التأصيل لمشكلاتنا الحالية والمعاصرة واقتراح حلول لها وفق أفق زمني محدد تعوزه إرادة لتبني هذه الحلول، وقد تمخضت هذه التجربة الشاقة في ظل تبعثر الأرشيف الصحفي المصري بين جهات عديدة عن كتب “صفحات من التاريخ الأخلاقي بمصر” و”نوستالجيا الواقع والأوهام” و”تاريخ حائر بين بان وآن” و”هوامش على دفتر أحوال مصر” و”رواق القصص الرمضاني”، كما استفدت من عملي في الجودة وبلورت مفهوم “التغذية الراجعة أو التغذية المرتدة أو ردود الفعل التصحيحية” في عالم البحث والكتابة، وأعقبت مؤلفاتي أول مرة بكتابين هما “نزهة الألباء في مطارحات القراء” و”منافح الأيك في مساجلات النخب”، وضمنت الكتابين كل ما تلقيت من أسئلة القراء وملاحظاتهم وتفريغ آراء النقاد الذين تم اطلاعهم على كتبي في مراحلها كلها وردودي عليها بكل شفافية، كذلك الواقع لم يكن غائباً عني، إذ أقدم روايتي “ساعة عدل” للقارىء المصري والعربي، وفيها نقلت خلاصة ما صادفته وعايشته من أحداث بالمستشفيات الحكومية والخاصة والتحديات التي يواجهها المشتغل بالجودة وقدمت ذلك في إطار تشويقي لا يخل من طرافة.
واحتلت القضية الفلسطينية المحورية جزءاً من كتابات عبد العال، ففي مجموعته القصصية “حتى يحبك الله” كتب قصة “العودة”، يبين: “ناقشت فيها هشاشة الكيان الصهيوني وتوقعت عودة فلسطين مرة أخرى إلى الحضن العربي، وتسودها ـ مجدداً ـ روح التسامح بين كل الأديان فيها وقد ترجمت هذه القصة إلى عدد من اللغات الأجنبية”، مشيراً إلى أنه كتب هذه المجموعة في أعقاب جائحة كوفيد ١٩، لكي ينقل صوراً من واقع الحياة في هذه الحقبة الاستثنائية من التاريخ الإنساني، يضيف: “ضمت هذه المجموعة نظرة افتراضية لما ينبغي أن يكون عليه حال الناس بعد الجائحة والتغييرات المفترضة أن تكون”.
ويخبرنا عن تجربته في شعر الهايكو، وكتابه الإلكتروني “نسائم القلب”، فيقول: “أعدّها تجربة ثرية أضافت إليّ الكثير، وغالباً أتألم وأنا أكتب قصيدة الهايكو، وأنقل تجربة شخصية مررت فيها من حب احتوى القلب في مرحلة ما”.
وبسؤاله عن الواقع الثقافي العربي، فيجيب: “يعاني اضطرابات كثيرة، وتشتتاً في ظل ضبابية الرؤية، وغياب النظرة الموضوعية تجاه القضايا المشتركة، ولا ننسى أبداً سيطرة المادة على كل مناحي الحياة، وعزوف الناس عن القراءة بسبب ارتفاع أثمان الكتب من ناحية، ومن ناحية أخرى أرى كثيراً من كتاب العالم العربي لا يراعون الحداثة في كتبهم، ما يجعل الشباب وهم جلّ أمتنا العربية الحالية ينصرفون عن الكتب العربية ويبحثون بلهفة وترقب عن أحدث إصدارات الكتب الأجنبية في شتى المجالات بلغتها الأصلية أو المترجمة منها إلى العربية، لذا أرى أن الكتاب العرب يحتاجون إلى الاقتراب أكثر من الشباب، فلا يكفي طرح ما نؤمن به من دون مراعاة الزمن الذي نعيشه، بل لزاماً علينا التأكد من أن المتلقي يفهم طرحنا بلغته لا بلغتنا، ويتفاعل معه ويؤثر فيه، ويستفيد من الحلول الحديثة والواقعية والقابلة للتنفيذ التي نطرحها بالقدر المطلوب، وفي النهاية نحن لا نكتب لأنفسنا”.
أما بالنسبة إلى النقد، فيقول: “لا يوجد نقد موضوعي للأعمال، فالوسائل الإعلانية المدفوعة على مواقع التواصل الإجتماعي هي التي تسطر معالم العمل الأدبي والكتابي بوجه عام، وتقود دفته وتخلق الحافز لدى القراء للإقبال على اقتنائه بشتى السبل، بصرف النظر عن جودته، وفي ذلك تقوم بدور المعلن والناقد والبائع في آن واحد، وإذا نظرنا إلى النقاد في عالمنا العربي فالصف الأول منهم يلهث خلف نجوم الصف الأول من كتاب وأدباء، ولا يشغل بالاً بالمواهب البادئة على الطريق، فدعمه لكتاب الصف الأول يضيف إلى رصيده مادياً ومعنوياً، ذلك أن غالبية دور النشر الكبيرة تسيطر على حركة النقد وترصد من ميزانية الكتاب لدعم هذه الوجهة عبر تمويل الندوات التي تستضيف نقاداً كباراً من مختلف التخصصات لكيل المديح لكتب بعينها ولكتاب معدودين، وفي ذلك حصد لمكاسب خرافية لكل الأطراف، لذا فأنا أعول هنا في المضمار النقدي على الذكاء الاصطناعي”.
ما يزال عبد العال يرى أن الجوائز والتكريمات هي التي تبني شهرة الكاتب وتجعل وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي تهتم به وتسلط الضوء عليه، لكنه مستقبلاً يراهن على أمر آخر سيكون له اليد العليا في تقرير شهرة الكاتب ومؤلفاته من عدمها، يوضّح: “إنه الذكاء الاصطناعي وهو أداة علمية وتقنية سيكون الاعتماد عليها قريباً في الحصول على المعلومات في شتى المجالات، لذا ستكون وجهته في الحصول على المعلومات هي الكتب الإلكترونية المتاحة على شبكة الإنترنت التي يبلغ حجم الإسهام العربي فيها النسبة الأقل، لذلك فالمستقبل كما أكرر دائماً للكتاب الإلكتروني المنشور على الشبكة العنكبوتية”.
أما المهرجانات والمعارض فيعدها الملتقى السنوي والدوري لكي يلتقي بقرائه عن كثب ويستمتع بآرائهم ومناقشاتهم الموضوعية والبناءة وانتقاداتهم أيضاً، فعندها وحسبما يقول: “أشعر أن ما أنفقت من جهد لم يضع سدى”.