المعايير المزدوجة تزرع بذور الانقسام والكراهية
عائدة أسعد
يشعر معظم الدول بالفزع إزاء المعايير المزدوجة والنفاق والبلطجة التي تمارسها الولايات المتحدة وبعض حلفائها. وقد كانت ازدواجية المعايير واضحة في 18 نيسان عندما استخدمت أمريكا حق النقض (الفيتو) ضد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن منح العضوية الكاملة في الأمم المتحدة لدولة فلسطين، كما أن حقيقة أن 12 دولة من الدول الأعضاء الخمس عشرة في مجلس الأمن، بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة المقربون، اليابان وجمهورية كوريا وفرنسا، صوّتت لمصلحة القرار، وامتنعت المملكة المتحدة وسويسرا عن التصويت، تجعل الإجراء الأمريكي أكثر إثارة للصدمة.
وهذه مجرّد علامة واحدة على مدى عزلة الولايات المتحدة بسبب دعمها الأعمى للكيان الصهيوني في عدوانه على غزة، الذي دخل يوم الثلاثاء يومه المئتين، والأسوأ من ذلك أن الولايات المتحدة لا تشعر الآن بالحاجة إلى إخفاء مثل هذا التحيّز.
أيضاً وقّع الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الأربعاء على مشروع قانون يقدّم حزمة مساعداتٍ خارجية بقيمة 26 مليار دولار لـ”إسرائيل”، بما في ذلك كمية كبيرة من الأسلحة على الرغم من الأزمة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة الفلسطيني، وفي كانون الأول لعب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن دوراً رئيسياً في تجاوز الكونغرس الأمريكي لتزويد “إسرائيل” بأسلحة عسكرية أمريكية في وقت صُدم فيه العالم أجمع برؤية القصف الإسرائيلي المتواصل لغزة.
وفي مؤتمر صحفي حول تقارير الدولة لعام 2023 عن ممارسات حقوق الإنسان يوم الاثنين الماضي، قال بلينكن: “إن هجمات حماس المروّعة على “إسرائيل” في 7 تشرين الأول من العام الماضي والخسائر المدمّرة في أرواح المدنيين في غزة تجعل “إسرائيل” تمارس حقها في ضمان عدم تكرار تلك الهجمات أبداً”، ومرة أخرى، تثير أقواله مخاوف القلق العميق بشأن حقوق الإنسان، لأن الساسة الأميركيين ما فتئوا يقولون: إن حماس يجب أن تتحمّل المسؤولية عن مقتل 34 ألف فلسطيني، بما في ذلك أكثر من 14 ألف طفل، مع العلم أن بقية العالم لا يتفقون مع هذا الرأي بشدة.
لقد ضاعفت الولايات المتحدة وبعض حلفائها معاييرها المزدوجة بعد أن ردّت إيران على “إسرائيل” لمهاجمتها المجمع الدبلوماسي الإيراني في سورية وقتل اثنين من كبار الجنرالات الإيرانيين، وأدانت الولايات المتحدة ومجموعة السبع إيران بأشد العبارات، وهدّدت بفرض عقوبات جديدة عليها في تناقض حاد مع صمتهم تجاه تصرّفات “إسرائيل” ووصفهم للوضع المروّع في غزة بأنه مجرد غير مقبول.
وحين أشادت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس جرينفيلد، بإدانة الانتقام الإيراني في الأمم المتحدة من جانب 48 عضواً جمعتهم الولايات المتحدة، كشفت بالمصادفة أن أكثر من 140 عضواً في الأمم المتحدة اختلفوا مع الولايات المتحدة بشأن هذه القضية.
وأما منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، فقد قال في شباط الماضي: “إذا استمرّت التوترات الجيوسياسية العالمية الحالية في التطوّر في اتجاه الغرب مقابل البقية، فإن مستقبل أوروبا يخاطر بأن يصبح قاتماً”، لكن الولايات المتحدة رفضت الاعتراف بذلك، وبينما كان بلينكن يشير بأصابع الاتهام إلى سجلات حقوق الإنسان في دولة تلو الأخرى، نسي أن يذكر وضع حقوق الإنسان المتدهور في الولايات المتحدة.
فقد التزمت الولايات المتحدة الصمت بعد تورّطها في الفظائع المرتكبة في غزة، في مواجهة الانتهاك الجسيم لحقوق المرأة بعد أن ألغت المحكمة العليا الأمريكية حقوق الإجهاض في تشرين الثاني 2022، وعلاوة على ذلك فإن تفشي العنف المسلح واتساع فجوة الثروة وزيادة التمييز العنصري والمشرّدين هي أمور يعاني منها المجتمع الأمريكي، كما انتقد تقرير اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، في تشرين الثاني، الولايات المتحدة بسبب سياساتها، ليس فقط فيما يتعلق بالحقوق الإنجابية للمرأة، بل أيضاً بشأن تعذيب النساء، والاستخدام المفرط للقوة من جانب وكالات إنفاذ القانون، وسياساتها المتعلقة بالهجرة.
وتجدر الإشارة إلى أن الحصار الهمجي الذي تفرضه الولايات المتحدة على كوبا ما زال يُدان من أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة كل عام منذ أكثر من 30 عاماً، ولكن لم يكن لدى أيّ زعيم أمريكي الشجاعة الكافية لتصحيح السياسة الأمريكية وتستمرّ الولايات المتحدة في إساءة استخدام قوّتها المالية لفرض عقوبات على العديد من البلدان، بما في ذلك تهديدها الأخير بفرض عقوبات على باكستان إذا استمرّت في العمل على خط أنابيب الغاز الذي يربطها بإيران.
إن مثل هذا التنمّر والمعايير المزدوجة التي تستخدمها الولايات المتحدة لن يؤدّي إلا إلى زرع بذور الانقسام والكراهية، وعزل الولايات المتحدة وبعض حلفائها عن بقية العالم.