الكيان القائم على الاغتصاب ينتهك حرية الصحافة
د. معن منيف سليمان
يحتفل العالم في الثالث من شهر أيار باليوم العالمي لحرية الصحافة كتقليد سنوي بُدئ العمل به عام ١٩٩٣، بهدف التذكير بالدور المهم الذي تقوم به الصحافة في تعزيز الديمقراطية ونشر الوعي وتشجيع التنمية في أنحاء العالم. ويعدّ هذا اليوم مناسبة لتسليط الضوء على تجارب الصحفيين وتضحياتهم في تقصّي الحقائق وتزويد الجماهير بالأخبار اليومية وتذكيرهم بمعاناة الصحفيين نتيجة الانتهاكات التي يتعرّضون لها خلال ممارسة عملهم في نقل الحقائق.
وتختلف المخاطر التي تواجه الصحافة والصحفيين من بلد إلى آخر. ففي الغرب الأوروبي والأمريكي الذي يعدّ نفسه واحة لحرية الإعلام والتعبير، وتتمتّع وسائل الإعلام فيه بمساحة واسعة من الحرية والاستقلالية حسب زعمه، هناك خطوط حمراء لا يمكن أن يُسمح بتجاوزها، بل إن تجاوزها قد يعرّض الصحفي إلى مساءلة وعقاب، وخاصة إذا ما تعلّق الأمر بالقضية الفلسطينية وانتقاد الجرائم الإسرائيلية في فلسطين، فعند ذلك تسقط كل الشعارات وتُضرب جميع المبادئ والقوانين الدولية.
ولم تشهد أية حرب ضحايا من الصحفيين كما في حرب غزّة، حيث أصبحت الحرب التي يشنّها الكيان الإسرائيلي على قطاع غزّة خلال ستة أشهر الأكثر دموية بالنسبة للصحفيين الذين يغطّون مناطق الصراع في العالم، واستشهد فيها عشرات الصحفيين بشكل تجاوز عدد الصحفيين الذين قتلوا في العراق، أو أفغانستان، أو اليمن، أو أوكرانيا، ما دفع منظمة “مراسلون بلا حدود” إلى تقديم شكوى بشأن جرائم حرب ارتكبت ضدّ الصحفيين الفلسطينيين في غزّة، وعدّت المنظمة أنّ حجم الجرائم التي تستهدف الصحفيين وخطورتها وطبيعتها المتكرّرة تندرج في نطاق جرائم الحرب، وتستدعي إجراء تحقيق من المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.
إنّ الكيان الإسرائيلي يتجاهل في كل مرّة القرارات الأممية التي تدعوه للانصياع لإرادة المجتمع الدولي لوقف احتلاله، بل إنه يستمرّ في انتهاك وإنكار حقوق الفلسطينيين بفعل الحماية الأمريكية التي تستخدم الفيتو للإفلات من العقاب.
إنّ الإفلات من العقاب يجعل من هذا الكيان مارقاً لا يحترم القانون الدولي، ويقوّض صدقية الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين فيما يتعلّق بحماية حقوق الإنسان ودعم حرية الصحافة وما تدّعيه من قيم الديمقراطية التي تطبّقها على مَن تشاء وتتهاون فيها مع مَن تشاء.
هذا الازدواج في المعايير فيما يتعلق بحرية الصحافة سوف يشجّع أكثر الحكومات الأخرى على فرض قيود على حرية العمل الصحفي بالاستناد إلى الدعم والحماية من واشنطن بفعل ارتباطها بالمصالح الأمريكية في المنطقة.
لقد كشفت الحرب على غزة مدى سقوط الضمير الأخلاقي الغربي وتلاشي شعارات حقوق الإنسان وحرية التعبير التي يتشدّق بها الغرب في سبيل منح الحصانة للكيان الإسرائيلي وحمايته من المحاسبة والعقاب.