الأمراض غير السارية ..القاتل الأكبر في سورية وتسبب مابين 50-70% من الوفيات
دمشق – حياة عيسى
تعد الأمراض المزمنة غير السارية من التحديات الرئيسية التي تواجه النظم الصحية والتي استقطبت اهتماماً عالمياً كبيراً في السنوات الماضية نظراً لما تسببه من مضاعفات واختلاطات ومخاطر صحية واجتماعية واقتصادية تعيق خطط التنمية الوطنية وتؤثر سلباً على جودة الحياة في المجتمع، الأمر الذي وزارة الصحة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية والشركاء من المنظمات الدولية والقطاع الأهلي لصياغة الإستراتيجية الوطنية للوقاية من الأمراض غير السارية ومكافحتها.
معاون وزير الصحة الدكتور أحمد ضميرية أشار في حديثه مع “البعث” إلى أن على الأمراض غير السارية تعرف بالأمراض المزمنة، وهي تدوم عادة لفترات طويلة وتنجم عن مزيج من العوامل الوراثية والفيزيولوجية والبيئية والسلوكية، لا تنتقل بين الأفراد وإنما هي أمراض مكتسبة من أنماط حياتية غير صحية وتتطور ببطء عموماً، يندرج تحت هذه الأمراض أربعة أنماط رئيسية (الأمراض القلبية الوعائية، الأمراض التنفسية، الداء السكري، السرطان)، مع تأكيده إلى أن التهديد الحقيقي للأمراض المزمنة غير السارية تكمن بإعاقة تحقيق التقدم المأمول نحو بلوغ أهداف التنمية المستدامة لدى جميع الدول بأنحاء العالم حيث ثبت الدور السلبي للأمراض المزمنة في هذا المجال بسبب الزيادة السريعة في انتشارها وعوامل الاختطار المتعلقة بها والتأثير على التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات إما بصورة مباشرة عبر تكاليف الرعاية الصحية الشاملة أو بصورة غير مباشرة عبر التقليل من إنتاجية أعضاء المجتمع المصابين بهذه الأمراض، علماً أنها تؤثر على سكان البلدان منخفضة الدخل والبلدان متوسطة الدخل أكثر من غيرهم حيث تحدث أكثر من ثلاث أرباع الوفيات الناجمة عنها في العالم، وهناك صِلات استراتيجية بين الأمراض المزمنة غير السارية وبعض الأمراض السارية مثل التهاب الكبد الوبائي الذي يعد عامل الخطورة الأول لسرطان الكبد.
كما عرج ضميرية إلى الأساليب المهمة لمكافحة الأمراض المزمنة غير السارية ومنها التركيز على التقليل من عوامل الخطر المرتبطة بها، وهناك حلول زهيدة التكلفة يمكن للحكومات والجهات صاحبة المصلحة تطبيقها للحد من عوامل الخطر الشائعة التي يمكن تغييرها، ويعتبر الاستثمار في التدبير العلاجي للأمراض المزمنة غير السارية من الأمور بالغة الأهمية ويتضمن التدبير العلاجي الكشف عن هذه الأمراض وفحص المصابين بها وعلاجهم وإتاحة الرعاية الملطفة لمن يحتاج إليها، إضافة إلى تعزيز الكشف المبكر عن الأمراض وعلاج المصابين حيث أن هذه التدخلات تمثل استثمارات اقتصادية ممتازة لأنها كفيلة في الحد من الحاجة إلى علاج أكثر تكلفة، مع الإشارة إلى أن الحل الأمثل للحد من الآثار التي تخلفها الأمراض المزمنة غير السارية على الأفراد والمجتمع الالتزام بوضع نهج شامل يقتضي مشاركة جميع القطاعات في الدولة (الصحة والتربية والاعلام والزراعة) للعمل سوياً من أجل التقليل من المخاطر المرتبطة بالأمراض المزمنة غير السارية وتعزيز التدخلات الرامية إلى الوقاية منها ومكافحتها.
من جهته مدير الأمراض السارية والمزمنة في وزارة الصحة الدكتور زهير السهوي أكد خلال لقائه مع “البعث” أنه في إقليم شرق المتوسط يموت أكثر من 1.7 مليون شخص بسبب الأمراض غير السارية والتي يمكن أن تؤدي إلى إضعاف إمكانات التنمية الاجتماعية-الاقتصادية ولكن يمكن الحد من الوفيات من خلال تغييرات بسيطة مرتبطة بنمط الحياة وتدخلات فعالة من حيث التكلفة تنفذها الحكومات الوطنية لتمكين النظم الصحية من الاستجابة على نحو أكثر فعالية وإنصافاً لاحتياجات الرعاية الصحية اللازمة للأشخاص المصابين بأمراض غير سارية، والتأثير على السياسات العامة في القطاعات غير الصحية التي تتعامل مع 4 عوامل خطر سلوكية مشتركة قابلة للتعديل كتعاطي التبغ، والنظام الغذائي غير الصحي، والخمول البدني، وتعاطي الكحول على نحو ضار وتلوث الهواء.
كما أشار السهوي إلى محاور الوقاية من الأمراض غير السارية والتي تتمثل بالوقاية من عوامل الخطورة والحد منها، ترصُّد الأمراض غير السارية واستجابة النظام الصحي لها، وتقديم الرعاية الصحية للأشخاص الذين يعانون من الأمراض غير السارية، وهذا يستدعي_ حسب _ مدير الامراض السارية والمزمنة إلى استجابة شاملة تتطلب إجراءات منسقة بين جميع قطاعات المجتمع من خلال تنفيذ مجموعة من التدخلات ذات الأولوية التي تضع البلدان على مسار مستدام وتحقيق الغاية من أهداف التنمية المستدامة بشأن الأمراض غير السارية والصحة النفسية بحلول عام 2030م، إضافة إلى الوفاء بالالتزامات التي اتخذها رؤساء الدول والحكومات في الاعلانات السياسية التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في أعوام 2011-2014-2018، والمساهمة في تحقيق غايات المليارات الثلاثة المتعلقة بإجراءات مكافحة الأمراض غير السارية التي حددتها منظمة الصحة العالمية في برنامج العمل العام الثالث عشر، مع التأكيد على ضرورة أن تكون برامج الصحة المدرسية الموجهة نحو الأمراض غير السارية وعوامل الخطورة المرتبطة بها هي المدخل الأساسي للوصول الى شريحة الطالب والمراهقين.
ونوه السهوي إلى قيام وزارة الصحة بإدراج البرامج الوقائية في السياسات الصحية الوطنية والتأكيد على مبدأ المشاركة الحقيقية والفاعلة مع كافة الشركاء الاستراتيجيين من مقدمي الخدمات الصحية وتوفير الموارد المالية والفنية والبشرية لرفع القدرات الوطنية حتى تكون قادرة على تنفيذ أنشطة الوقاية والمكافحة بصورة فاعلة ومؤثرة ومن ثم متابعة تنفيذ الإستراتيجية الوطنية وبأسلوب علمي جاد حتى تحقق الهدف المرجو وهو الحد من الأمراض غير السارية في الجمهورية العربية السورية ومضاعفاتها الصحية والاقتصادية والإجتماعية.
وبالحديث مع ممثل منظمة الصحة العالمية بالإنابة في الجمهورية العربية السورية الدكتورة إيمان الشنقيطي بينت أن هناك تنسيق مع وزارة الصحة وكافة الشركاء المعنين من القطاعات الأهلية لحليل الوضع الراهن حول الشركاء الصحيين المعنين بالاستجابة للأمراض غير السارية ومكافحتها، بهدف وضع خارطة طريق لتبني سياسة وطنية متعددة القطاعات للوقاية من الأمراض غير السارية وتدبيرها والتخفيف من العبء المرضي لها على المستوى الوطني استناداً على إطار منظمة الصحة العالمية، لاسيما أن الأمراض غير السارية تهدد التقدم نحو تحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030، والتي تتضمن هدف خفض احتمال الوفاة بسبب أي من الأمراض غير السارية الأربعة الرئيسية بين 30 و70 عامًا بمقدار الثلث بحلول عام 2030.
كما أوضحت أن الأزمة في سورية أدت إلى ضعف استعداد وتأهب النظام الصحي، وفرضت العديد من التحديات مثل تضرر المنشآت الصحية، نقص الكادر الطبي، نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، نقص موارد الطاقة التشغيلية، تغير الأولويات مع نقص الموارد لاستمرارية الخدمات الصحية، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية ونقص موارد الدخل التي ألقت العبء الأكبر على القطاع العام، وضعف البيانات المسندة بالدليل اللازمة لتوجيه السياسات الصحية من أجل المساهمة في إنقاص العبء المرضي والاقتصادي للأمراض غير السارية، ونقص التغطية بنظام التأمين الصحي وغيره، وتلك الأسباب جعلت من الأمراض غير السارية القاتل الأكبر في سورية إذ تسبب بين 50-70% من الوفيات.
وتابعت الشنقيطي أنه لابد من دعم التشاركية والتنسيق بين القطاعات المعنية لتحليل الوضع الراهن، ووضع خطة وطنية متعددة القطاعات لتخفيف تعرض السكان لعوامل الخطر القابلة للتعديل من خلال التخطيط المشترك، المراقبة والتقييم المستمر، لذلك يقوم المكتب القطري لمنظمة الصحة العالمية بتوفير القيادة وقاعدة الأدلة للعمل الدولي بشأن مراقبة الأمراض غير السارية والوقاية منها ومكافحتها. ويلزم اتخاذ إجراءات حكومية عاجلة لتحقيق الأهداف العالمية للحد من عبء الأمراض غير السارية، إضافة إلى اعتراف خطة التنمية المستدامة لعام 2030 بالأمراض غير السارية، ووضع خارطة طريق لتسريع التقدم في مجال الوقاية من الأمراض غير السارية ومكافحتها، بالتزامن مع دعم الإجراءات الرامية إلى تحقيق مجموعة من تسعة أهداف عالمية لها تأثير على الوقاية من الأمراض غير السارية وإدارتها (مثل العمل على خفض الوفيات الناجمة عن الأمراض غير السارية بمعدل 30% بحلول 2030).