“أبغض الحلال” يفكك البيت السوري.. أرقام مخيفة تحتاج وقفة سريعة من المؤسسات المعنية!
ليندا تلي
يذهب إلى مدرسته كلّ صباح مكسورَ الخاطر، وكأنّ طفل الثامنة يدرك أن أقرانه من الأطفال أحسن حالاً منه بعد أن تركه والداه وحيداً برفقة جدّته بعد انفصاله عن والدته، وزواجها من رجل آخر، وسفره خارج البلاد بحثاً عن مصدر رزق ليعيشوا ضمن الحدّ المقبول.
حال “أحمد” ينسحب على كثير من الأطفال الذين كانوا ضحية انفصال الأزواج بلحظة تعدّدت أسبابها، ولكن النتيجة كانت انهيار مؤسسة أسرية، إذ لا يستطيع أيّ منّا أن ينكر التزايد الكبير لحالات الطلاق في مجتمعنا، وكأن الأزواج ضاقوا ذرعاً من بعض، ملقين اللوم على الأوضاع الاقتصادية القاسية التي يكابدونها إثر الحرب التي أرخت بظلالها على الحجر قبل البشر، وبحسب الأرقام المتداولة، ارتفعت معدلات الطلاق في سورية خلال السنوات الثلاث الأخيرة بشكل مخيف، فمقابل كل 29 ألف حالة زواج، هناك 11 ألف حالة طلاق!.
عواطف افتراضية
المحامي أكرم المحمود أرجع سبب كثرة حالات الطلاق التي تعجّ بها أروقة المحاكم إلى الانهيار الاقتصادي والغلاء الفاحش وانعكاسه على استقرار الحياة الزوجية، ما يؤدّي بالمحصلة إلى زيادة متطلبات الحياة التي تكون عبئاً عليه، ويخلق نوعاً من التوتر يتطوّر بدوره في حال عدم وجود تفاهم بين الزوجين إلى مشاحنات، وبالتالي خلاف قد يستعصي حلّه، وكذلك حمّل وسائل التواصل الاجتماعي التي شغلت أحد الزوجين أو كليهما عن مهامهما وواجباتهما، مسؤولية كبيرة حيث تنشأ علاقات شاذّة وغير سويّة على المنصات، مشيراً إلى أن هناك الكثير من الزوجات يلِجن العالم الافتراضي نتيجة الفراغ الذي يعانينه، ما يجعلهن يشعرن بالتأفف من حياتهن الزوجية، حيث تبدأ المقارنة بين زوجها والآخر الذي يغذّيها بعواطف افتراضية، وفي حال اكتشاف الموضوع تُفقد الثقة بين الزوجين، وبالتالي انهيار الزواج، كما عرّج المحامي على اختلاف المستوى الثقافي بين الزوجين الذي يؤدّي دوراً كبيراً في شحن النفوس بالخلافات والشعور بالدّونية من الزوج تجاه زوجته فيلجأ إلى التغلب على هذا الشعور بفرض سيطرته، وبالتالي يبدأ الخلاف بالتفرّع وازدياد الهوّة بينهما، ناهيك عن اختلاف البيئة الاجتماعية للزوجين الذي يخلق نوعاً من المجاراة على حساب الآخر، أما فيما يخص الإحصائيات المتوفرة في أرشيف المحاكم، فأشار إلى وجود تقارب بين عدد حالات الزواج وحالات الطلاق بشكل نسبي، حيث ارتفعت معدلات الطلاق بشكل مخيف في سورية، منذ بداية الحرب عام 2011، وزادت النسبة بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة.
إحصائية مخيفة!
وبحسب الأرقام المتداولة هناك أكثر من 46 ألفاً و827 شهادة طلاق تمّ تسجيلها لعام 2022 في المحاكم بمختلف المحافظات، بمعدل ارتفاع بلغ 11% مقارنة بعام 2021 الذي شهد 41 ألفاً و957 شهادة طلاق، وخاصة في محافظة حلب التي تحتل المرتبة الأولى ودمشق الثانية وريفها بالمرتبة الثالثة، فيما حلت حمص بالمرتبة الرابعة.
الطلاق حل
الدكتور جلال الدين شربا متخصّص بالأمراض النفسية والعصبية يرى أن الطلاق ليس مشكلة بحدّ ذاته، ولكن ما قد يترتب عليه من مشكلات ينعكس بشكل كبير على الأولاد في حال وجودهم، بالإضافة إلى الآثار النفسية والاجتماعية على كلّ من الزوجين، ففي حال وجود الأولاد تكون الآثار النفسية أكبر بكثير وفق ما ذكر الطبيب، الذي أكد أن على الزوجين اللذين اتفقا على الطلاق أو دون اتفاق أن يفهما جيّداً ويدركا أن آثار ذلك على الأولاد خطيرة جداً، ومن هنا كان على الرجل والمرأة أن يتفاهما ويخرجا بأقل النتائج السلبية أو الخسائر على الأطفال في الوقت الراهن وفي المستقبل، فالطلاق وافتراق الأبوين سيؤدّي إلى حالة من عدم الأمان عند الأطفال وهي النقطة الأهم، كما سيتغيّر تصوّر الأطفال وتفكيرهم عن شكل العالم وتكملة الحياة والأسرة ودور الأبوين بشكل كامل بعد الطلاق.
أكبر الأخطاء
ومن أكبر الأخطاء التي يرتكبها الزوجان بعد طلاقهما وفق الطبيب، محاولة شدّ الأطفال كلّ إلى جانبه، وتشويه صورة الآخر في عيونهم أو تحميله سبب الطلاق وخراب البيت، لأن هذا السلوك سيجعل الأطفال يعيشون حالة من الضياع والتشتّت وعدم الأمان وعدم الرغبة في الحياة وكثيراً من الأحيان يؤدّي بهم إلى الانتحار.
فريسة الحيرة
ويجب التنبيه جيّداً ومراراً إلى ضرورة عدم لجوء الأم أو الأب إلى استخدام أطفالهما ورقة في الصراع بينهما، لأنّ هذا سيؤدّي إلى دمار نفسية الأطفال وفشلهم بشكل كامل في الحياة، لذلك الأفضل ورغم كل الظروف التي قد يكون مرّ بها الزوجان عدم سردها أمام الأطفال وعدم إلقاء اللوم على الآخر وعدم شرح سلبيات الأب أو الأم والخوض في تفاصيل حياتهما الماضية، لأن الطفل سيقع فريسة الحيرة، فهو يحبّ والديه ولا يمكن أن يكون أحدهما بديلاً عن الآخر، وهنا يؤكّد الطبيب ضرورة أن يتكلّم كل منهما بشكل إيجابي عن الآخر وإيصال فكرة لهم أنهما لم يقدرا على التفاهم لأسباب كثيرة دون الخوض فيها بشكل كامل، ومن أكبر الأخطاء التي يرتكبها المطلّقون، وفق الطبيب، لجوؤهم إلى مشاهدة أطفالهم في الإراءة نظراً لما تتركه من تأثير نفسي سيّئ عليهم، حيث يصابون بالقلق والاكتئاب لفترات طويلة نتيجة هذا السلوك المدمّر.
حلّ وحيد.. ولكن!
وبدورها تؤكد المرشدة الاجتماعية نسيبة مسلم أن الطلاق وإن كان حلاً، لكن تتبعه أبعاد نفسية واجتماعية، وخصوصاً على الأبناء مع تفكّك أسري بين الوالدين والأبناء وانعزال كلّ طرف بمنزل لا تسوده المحبة والأمان.
وتختلف الآثار الاجتماعية وفق الباحثة حسب الفئة العمرية للأطفال، والتي أخطرها من (سنة إلى خمس سنوات)، حيث تعدّ مظلومة (كبش فدا) وتكثر فيها الأمراض النفسية من انعزال وخوف من الأشخاص والعصبية المفرطة والصمت الطويل، لأن الطفل لا يستطيع أن يعبّر عن وجعه لعدم وجود الوعي الكلي، ومن أهم الأمراض العضوية لهذه الفئة (السلس البولي)، في حين تكثر في الفئة من (6 سنوات -12سنة) أعراض العنف والدوران وتدني المستوى الدراسي والانحراف وعدم التكيّف مع الآخرين (سيكوسوماتية)، بينما تعدّ الفئة (13-17 سنة) أي عمر المراهقة الأقل تضرراً بسبب اهتمامه بذاته وأفكاره، ولكنه يستغل الانفصال بالانحراف والانحلال الأخلاقي والانتحار إذا كان متعلقاً بأحد الوالدين.
عقدة مستقبلية
وعرّجت الباحثة بالحديث على الأبعاد الاجتماعية للطلاق، ومنها وقوف الأطفال مع أحد الأبوين وكرهه للطرف الآخر، وهذا يشكّل لديه عقدة في المستقبل، ولابد من التنويه، والكلام للباحثة، بأن الأبعاد الاجتماعية لا تقتصر على الأطفال فقط، وإنما تمتدّ إلى الرجل والمرأة التي هي العنصر الأكثر تضرّراً في الطلاق، لأن الطلاق هو معادلة لا تصلح فيها المساواة بين الرجل والمرأة.
منحة لا محنة
وترى الباحثة الاجتماعية أن تجاوز مرحلة الطلاق ليس سهلاً على كلا الطرفين، ولكن يمكن تغيير طريقة التفكير والاقتناع بأنه أمر طبيعي وواقعي وإدخال بعض الأمور التي تحوّل المحنة إلى منحة، وهي مرحلة شبيهة بالترميم ليدخل حياة جديدة، والكلام للباحثة الاجتماعية.