“سورية ومواجهة السياسة الاستعمارية”.. دراسة تاريخية توثيقية
حمص- عبد الحكيم مرزوق
يلقي الباحث الدكتور عبد الرحمن البيطار الضوء على مراحل وجوانب السياسة الاستعمارية، من خلال دراسة تاريخيه توثيقية، تسهم في دعم صمود أمتنا ووعيها، ونهضتها الحضارية، وتحرير أراضيها المحتلة، وذلك في كتابه “سورية ومواجهة السياسة الاستعمارية.. من المشاركة إلى الجلاء”.
يقع الكتاب في مائتي صفحة من القطع الكبير، ويضمّ ثمانية فصول موزعة على بابين، ويستعرض في الباب الأول بحث التمهيد الأوروبي للاحتلال الفرنسي على سورية من خلال خمسة فصول، يتحدث الفصل الأول عن رحلات الأوروبيين الاستكشافية إلى بلاد الشام أثناء الحكم العثماني من عام 1516- 1918 واستكشاف هؤلاء الرحالة للشرق والشام وجغرافيتها وطبيعتها وأوضاعها الاقتصادية ومدنها وسكانها، وأهداف هؤلاء الرحالة وأكثرهم أهمية.
ويرى البيطار أن روايات الرحالة كانت مختلفة بسبب انتماءاتهم وأهدافهم، فالمبشرون الذين كانوا يعملون على نشر دينهم ومذاهبهم اضطروا إلى تعلم اللغة العربية للتحدث مع الناس، وقرؤوا الكتب العربية، وتعرفوا على جوانب كثيرة من حياة الناس، وخالط التجار أفراد الشعب، وسألوا عمّا يخصّ وضع البلاد الاقتصادي، أما الهواة فاختلطوا بالشعب لإشباع فضولهم، والذين أتوا في بعثات أثرية أو دبلوماسية اختلطوا أكثر بالسلطات، وعاد الرحالة إلى بلادهم مفتونين، فقدموا روايات وصفية لكثير مما شاهدوه، لكنهم لم يتفهموا الكثير من الجوانب الحياتية.
أما البحث الثاني، فيتحدث عن السياسة الأوروبية للتغلغل بين سكان بلاد الشام أثناء الحكم العثماني من خلال عنوانات فرعية عدة، منها: الغرب وابتداع مصطلحات التجزئة كحجة للتدخل في بلاد الشام، وأثر الدعم الأوروبي في التمييز السكاني أواخر الحكم العثماني، ودور القنصليات الأجنبية في الدعم الاقتصادي، وغزو السلع الأجنبية وتأثيرها الاقتصادي والاجتماعي، والتأثير الأجنبي على الواقع الاجتماعي والتعليمي في بلاد الشام، بينما يعرض البحث الثالث لـ”المصطلح الأوروبي لغزو الشرق”، وفيه يوضح الباحث مصطلح “المسألة الشرقية” وانتشاره في أوروبا، وتطوره في القرن التاسع عشر.
وفي البحث الرابع، ينتقل الكاتب إلى الحديث عن دعاة النهضة والقومية العربية في بلاد الشام والحرب العالمية الأولى 1914- 1918 من خلال تسليط الضوء على الحرب ونتائجها على العرب ودور دعاة النهضة والقومية العربية أثناءها، وسياسة أحمد باشا السفاح تجاههم، ونتائج الحرب عليهم، ويعرض في الخامس تآمر الحلفاء الأوروبيين على العرب وخديعتهم في هذه الحرب، من خلال بعض العنوانات الفرعية، ومنها خديعة العرب وأهدافها ووسائلها ونتائجها.
وجاء الباب الثاني تحت عنوان “سورية تحت الاحتلال الفرنسي”، وتضمن ثلاثة أبحاث الأول: “سورية ولبنان” وحصة فرنسا في صك الانتداب، وذلك عبر تسليط الضوء على مدلولات المصطلحات في صك الانتداب وتغير مفهوم سورية من الإقليم الواسع إلى الدولة، ومفهوم الانتداب في نص المادة 22 من ميثاق “عصبة الأمم” ومنح صك الانتداب من العصبة، واقتسام الشام والعراق باسم الانتداب ووضع الحدود ومآخذ عامة على مضمون الصك والشرعية الدولية، والمواد المهمل ذكرها في صورة منقولة عن كتاب خطط الشام لمحمد كرد علي.
وجاء البحث الثاني تحت عنوان “دور فرنسا والصهيونية في سلخ لواء إسكندرونة عن دولة سورية 1936-1939 من خلال استعراض قضية اللواء ومشروع معاهدة 1936، وقضية اللواء في عهد جمهورية المعاهدة، وقضية إسكندرونة في عصبة المتحدة، وفصل اللواء عن سورية.
وجاء الفصل الأخير بعنوان “في سياسة الاحتلال الفرنسي 1918-1946″ من خلال الحديث عن دمشق في السياسة الفرنسية قبل احتلال الحلفاء لها عام 1918، وحين كانت تحت احتلال الحلفاء المشترك 1918-1920، وعن دمشق تحت الاحتلال الفرنسي بعد معركة ميسلون وعن دمشق في اتحاد الدول السورية المنشأ بين عامي 1922-1924 وسياسة الفرنسيين تجاه دمشق بعد إنشاء دولة سورية الجزئية 1925- 1927، ومعالم السياسة الاحتلالية الفرنسية تجاه دمشق، وطلب الوفود دمشق وحلب للوحدة السورية الكبرى، وانتقاد سياسة الفرنسيين تجاه دمشق في أثناء الثورة 1925، وسياسة الفرنسيين تجاه دمشق بعد الثورة، ودور دمشق في مرحلة جمهورية المعاهدة 1936-1939، ودمشق أثناء الحرب العالمية الثانية حتى الجلاء ونهاية الاحتلال الفرنسي وتثبيت تجزئة بلاد الشام، حيث بقيت دمشق المدينة العربية التي تمارس دورها التاريخي تجاه أمتها وتتصدى لقوى العدوان في أسمائها الجديدة.
هذه البحوث سلطت الأضواء على مراحل ومحطات عدة في تاريخ بلاد الشام، وأوضحت أن ما تعانيه بلادنا وأمتنا في الفترة المعاصرة تعود جذوره إلى هذه الفترات السابقة، فالأعداء التاريخيون هم أنفسهم الطامعون بثروات البلاد وهم مستمرون في نهبهم وزيادة مكاسبهم ويضربون عرض الحائط بما سُمّي بـ”الشرعية الدولية” و”حقوق الإنسان” وغيرها من الشعارات البراقة التي رفعوها، ولقد كان الوعي التاريخي من أهم عوامل الصمود والمقاومة التي جاءت بالنصر المؤزر والخلاص من الاحتلال الفرنسي المقيت ومن ثم الحصول على الاستقلال بعد أن قدمت سورية قوافل من الشهداء، كانوا شموعاً مضيئة في تاريخ سورية المعاصرة، سورية الصمود والتصدي.