في أيام الامتحانات.. الدرس الخصوصي يتجاوز الـ70 ألف ليرة للساعة الواحدة!
دمشق- البعث
لا شكّ أن الكثير من الأساتذة لا يجدون الآن الوقت الكافي للراحة في موسم الامتحانات، حيث يخرجون منذ ساعات الصباح الأولى في رحلة البحث عن الرزق ليعودوا في ساعات متأخرة وجيوبهم منتفخة بحصاد وفير بعد أن اتفقوا على رفع سعر الدرس ليتخطى حدود الـ70 ألف ليرة للساعة الواحدة، وذلك تماشياً مع موجة الغلاء التي تجتاح حياة الناس بدون رقيب أو حسيب، وهناك من زاد التسعيرة للساعة لتتجاوز الـ100 ألف ليرة بحجة الخبرة وضمان النجاح بالمادة، هذا عدا عن الجلسات الامتحانية التي يجني منها الملايين. ونحن هنا لا نحاول الإساءة لأحد أو تشويه صورة المعلم، بل نعمل لإيقاظ الضمير وتذكير البعض بقداسة ونبل الرسالة التعليمية وعدم الانجرار وراء النفع المادي فقط والتخلي عن الجانب الإنساني والتربوي والتعليمي البعيد عن مفاهيم الاستغلال والابتزاز واصطياد جيوب الأهل والاستثمار في أحلامهم بطريقة لا تليق بمكانة المعلمين كبناة للأجيال، مع التأكيد على حقهم في تحسين مستواهم المعيشي وتأمين مصادر الرزق المختلفة.
وطبعاً السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لو التزم هؤلاء بدورهم وقاموا بمهمتهم على أكمل وجه خلال العام الدراسي، هل كان هناك حاجة للدروس الخصوصية لجميع الطلاب دون استثناء؟ والغريب حالة الإجماع على امتهان التدريس التجاري والتسابق في بورصة الأسعار التي ترجح كفة تحييد المفاهيم والقيم أمام الانغماس التام في لعبة البيع والشراء في سوق التعليم الربحي الذي استحوذ على مرحلة التعليم الأساسي، وخاصة المرحلة الأولى، حيث نرى الكثير من العائلات بدأت بتسليم أطفالها للمدرّسين الخصوصيين دون الانتباه إلى الأذى الذي يمكن أن يصيب العلاقة ما بين الطالب والمدرسة بعد أن ينحصر اهتمامه بما يتلقاه من مدرّسه الخصوصي فقط، وهذا يدفعه إلى إهمال واجباته المدرسية وعدم التركيز في المدرسة والاعتماد بشكل كليّ على حصصه التعليمية في المنزل.
وبصراحة القضية أكبر من مجرد تغيير في المناهج وفي النهج التربوي والتحول نحو التعليم الخاص، لتأخذ منحى الانحطاط الفكري والانشقاق عن منظومة القيم والأخلاقيات التربوية والتعليمية، والانخراط في مشروع تدمير الرسالة والإتجار بمهنة مقدسة كرمت بمهمّة (اقرأ) وبناء الأجيال التي ينظر إلى مستقبلها اليوم من ثقوب العمل التجاري، وهذا ما يضاعف من مهام وزارة التربية ويزيد من أعبائها للعمل بشكل جاد وبخطوات جادة لتحسين مستوى الأداء التدريسي في المدارس العامة التي أصبحت تصدر الطلاب إلى ميدان التعليم الخاص.
وطبعاً ظاهرة الدروس الخصوصية باتت تؤرّق كل أسره هدفها أن تصل بأبنائها إلى مرحلة القبول الجامعي، ولاسيما رغبات الطب والهندسة، ولكن للأسف لا توجد ضوابط رقابية حتى غدت الدروس تُعطى في بيت المدرّس أو الطالب أو مراكز خاصة لهذه الغاية وغياب التنسيق بين الجهات المعنية، فالدروس الخصوصية أصبحت شرطاً أساسياً لتحقيق النجاح والتفوق الذي لا بدّ منه بالنسبة للأهالي كون الكثير من الآباء والأمهات رغم أنهم حاصلون على شهادات جامعيه غير قادرين على تعليم أبنائهم بسبب تطور المناهج التربوية غير المتناسبة مع فترة تعليمهم خلال سنوات دراستهم، لا بل إن المدرّسين انفسهم بحاجة إلى إعادة تأهيل!.
الكثير من العائلات أكدت أن أيام الامتحانات، وخاصة لجهة الدروس الخصوصية، شكلت أعباء كبيرة على حياة الأسرة في ظلّ هذه الظروف الصعبة، فهناك من يبيع المصاغ الذهبي أو حتى شقة سكنية ليلبي طلبات التعليم على مدار العام، لأن المدرسة لا تفي بالغرض المطلوب لإفهام الطالب، وربما يتعلق ذلك بعدد الطلاب في الشعبه وعدم اهتمام المعلم في المدرسة الحكوميه لأن همّه لقمة العيش من الدرس الخصوصي، والحال ذاتها في المدارس الخاصة التي تؤمن الطلاب بالجملة للتدريس الخاص، ولذلك لا بدّ من معالجة هذه الظاهرة لأنها تشكل خللاً في العملية التدريسية بين المدرّس والطالب والأهل، فمن المعيب أن يساوم الطالب المدرّس على سعر قيمة الدرس مما يفقد المعلم رسالته التعليمية كون همّه الوحيد من الدرس تحقيق المنفعة المادية!.