رأيصحيفة البعث

فصل جديد في المعركة الفكرية

علي اليوسف

لم يكن مؤتمر “البعث” كلاسيكياً أو نمطياً، لدرجة أنه خرج من الرتابة التقليدية إلى الحوار المفتوح وطرح الأفكار على الطاولة مباشرة، بدون تحفّظ وضوابط وقيود، إذ لا تكاد تخلو إطلالة الرفيق بشار الأسد، الأمين العام للحزب، في كلّ مرة من طرح رؤى مستقبلية يشارك فيها أجيال البعث التي عاشت دوامة العنف خلال العقد الماضي، ليرسم ملامح جديدة لما بعد الحرب الإرهابية وإرهاصاتها على بنية المجتمع السوري ككل وليس على الحزبيين  فقط.

لقد تنقل الأمين العام بين المصطلحات حاملاً أفكاراً لبرامج عمل البعث للمرحلة المقبلة التي تشي كلّ المعطيات الداخلية والخارجية أنها قاب قوسين من الانفراج، فمنذ إعلان موعد اجتماع اللجنة المركزية الموسّع كانت الأنظار ترنو لما سيقوله الرفيق الأسد، ليس من شريحة البعثيين بل من شرائح المجتمع السوري من خارج التنظيم الحزبي، فكان الأمين العام للحزب في كلمته حسبُهم حين تناول أفكاراً ورؤى تهمّ السوريين جميعاً، واضعاً يده على مفهوم العلاقة الصحيحة بين الفكر والممارسة، ونقل الكلمة إلى حالة التطبيق مع البعث والمجتمع الأهلي.

كان الأمين العام يريد أن تنقل المعرفة إلى الممارسة على أرض الواقع عبر طرحها بشكل عملي بتفاعل ذكيّ بين العناوين والمتلقين، ليربط لاحقاً بين الايديولوجيا والعقيدة كونها خلاصة تراكم فكري، بل تاريخي. لأن هذا التراكم هو المسؤول عن التصدي للجوانب الجدلية والفكرية في المجتمع السوري، ومن يمعن أكثر في خفايا السطور يجد أن الرفيق الأسد كان يزرع الأمل بدل الوهم كي يؤكد على صفة الحزب التاريخية، ويضيف فصلاً جديداً في المعركة الفكرية.

منذ انطلاق مؤتمرات الشُعب، ولاحقاً الفروع الحزبية، وأخيراً الاجتماع الموسع، كان الهدف المرئي للكل هو إعادة الحراك إلى شرايين الحياة الحزبية في سورية بعد الحرب والحصار. هذا الحراك لم يكن من أجل الحراك، بل إعادة ضخ الروح للاستمرارية التي باتت بأيدي القواعد الحزبية، لأن المطلوب منذ الانطلاق من القواعد هو الإبقاء على هذا الحوار بأيدي القواعد الحزبية، وهذا الشكل من الحوار هو الضامن الوحيد للنجاح، فالحركة هي القادرة على تصحيح مسارات الحزب، لأن البعث ليس للحزبيين بل لكلّ المكونات الوطنية من أعراق وأديان وتيارات فكرية وسياسية.

وعليه، فالمطلوب وضع رؤى وأفكار جامعة تعبّر عن تطلعات كافة الشرائح السورية، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وكل ذلك لا ينطلق من نظرية هنا ونظرية هناك، بل ينطلق من الانتماء، لأنه الأقوى في تاريخ سورية القديم والحديث، فالسوريون كلّ السوريين، بعثيين وغير بعثيين، يستندون إلى انتماء طبيعي تعيشه شريحة واسعة من المجتمع السوري، هذا المجتمع الذي يعيش حالياً جدلية الحرب وظروفها والحملات الإعلامية المضادة ووسائل الإعلام المسيّسة، ما يجعل ذلك “محكاً كبيراً” أمام حزب البعث الذي سيكون عليه عاتق التصدي لهذه الجدلية الفكرية في المجتمع.

والحزب يملك هذه القدرة، لأن الأشهر الأربعة الماضية أثبتت أن البعثيين قادرون على تقديم صورة حضارية عن الحزب والتي تفاعل معها المجتمع السوري، وباتت حديث كل الشرائح، ليتجاوز البعثيون الساحة الحزبية إلى الساحة الوطنية. لذلك فإن ما قام به البعث يؤكد أن الحزب قادر على النهوض والانطلاق، لكن كلّ ما يحتاجه الإرادة التي كانت شعار الحزب في الماضي والتي يحب أن تكون شعاراً للحاضر والمستقبل.