الحروب العقائدية لا تواجه إلا بالفكر
هيفاء علي
أشار السيد الرئيس بشار الأسد، الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي، إلى أن الانتخابات الحزبية، بتفاصيلها وأنظمتها، وبالحماس المرافق لها، وبالزخم الكبير الذي رافقها، ستكون مفصلاً حقيقياً في تاريخ الحزب، باعتبار أن ما شهدناه في الأشهر القليلة الماضية غير مسبوق في تاريخ الحزب منذ نشأته.
جاء ذلك في الخطاب الذي كان تتويجاً للعملية الانتخابية التي أسفرت عن انتخاب أعضاء القيادة المركزية، واللجنة المركزية الجديدتين للحزب.
نوه الرئيس الأسد إلى أن “البعث”، كحزب عقائدي، شكل مشكلة حقيقية للأعداء، فكل عقيدة تهدف لتوحيد المجتمع، وتمتين المجتمع، لتقوية المجتمع، هي مشكلة للأعداء، لذلك أخطر ما يواجه الوطن هو الحروب العقائدية كالنازية الجديدة، والليبرالية الحديثة، كالتطرف الديني. وهذه الحروب العقائدية لا يمكن مواجهتها إلا بفكر وعقيدة، حتى الحروب الاقتصادية، وحتى الحروب الإرهابية، ليس بالضرورة أن يكون الهدف منها هو التجويع بالاقتصاد، أو القتل بالإرهاب، وإنما الوصول إلى نشر ثقافة اليأس، التي تتحول مع الزمن إلى عقيدة تحل محل العقائد الأخرى، وتحل محل المبادئ، وبالتالي تدفع باتجاه التنازل عن الحقوق.
لذلك، في ظل هذه الظروف، ليس فقط ظروف سورية، وإنما الظروف العالمية التي يشهد فيها العالم حروباً ذات طابع ثقافي وعقائدي، تصبح الأحزاب العقائدية أكثر أهمية بكثير من قبل، وليس كما كان يسوق منذ ثلاثة عقود بأن عصر الأيديولوجيات قد انتهى، وأن عصر الأحزاب العقائدية قد انتهى، هذا الكلام غير صحيح، نحن نعيش أعلى مرحلة أيديولوجية على مستوى العالم، لأن التطرف هو عقيدة، ولأن الليبرالية الحديثة هي عقيدة. ولأن الخنوع الذي يدعو إليه الغرب تحت عناوين مختلفة هو عقيدة، فإذاً دور الأحزاب العقائدية، وفي مقدمتها حزب البعث في سورية تحديداً، هو اليوم أكثر أهمية مما سبق خلال كل المراحل التي مرت بها سورية.
وأكد الرئيس الأسد أن حزب البعث العربي الاشتراكي بعد سبعة وسبعين عاماً من تأسيسه، وثلاثة عشر عاماً من الحرب الإرهابية على سورية، ما زال قوياً مؤسسةً وعقيدةً، إلا أن هذا لا يعني عدم وجود الكثير من السلبيات التي تراكمت عبر تاريخه خلال السبعة عقود ونيف، إما بسبب عدم التطوير أو بسبب عدم معالجة الأخطاء المتراكمة، موضحاً أن ما يخيفنا حقيقة هو عدم معالجة هذه الأخطاء والتراكمات، لأنها هي التي يمكن أن تؤدي إلى ضعف الحزب مؤسسةً وعقيدةً.
لذلك عندما نتحدث عن التطوير، وعندما نقوم ونمارس عملية التطوير، فليس لأن هناك ظروفاً خارجيةً استدعت ذلك، كما يحلو للبعض أن يحلل من وقت لآخر، أو لأن هناك ضغوطاً، ولكن نحن نطور لأن التطوير حاجة حزبية، وحاجة وطنية، وحاجة طبيعية باعتبار أن المجتمعات تتطور بشكل مستمر، فالمجتمعات دائماً في حالة ديناميكية، وهي لا تقف في نفس المكان على الإطلاق، وكل بنية موجودة في أي مجتمع لا تتحرك من مكانها باتجاه الأمام تصبح بنية متخلفة وقديمة، وكلما ازدادت الظروف قساوة يصبح التطوير أكثر حاجة وليس العكس، فالتأجيل ليس الخيار الصحيح وإنما سير التطوير بأقصى سرعة هو الطريق والوسيلة الأهم والوحيدة ربما تكون لمواجهة الظروف الصعبة، والتحولات الكبرى التي نعيشها اليوم ويعيشها العالم ككل تؤثر علينا بشكل مباشر وبشكل غير مباشر وتفرض علينا مسؤوليات كبيرة وتحديات خطيرة.
وبقدر ما كانت رؤية الرئيس الأسد حول القضايا الداخلية مفصلية وهامة وترسم ملامح المرحلة الجديدة للحزب والدولة في البلاد، فإن محددات الرؤية السورية للأحداث الإقليمية والعالمية – كما وردت في خطاب سيادته – كانت الأهم لجهة الإصرار على تثبيت موقع سورية وتموضعها في المنطقة والعالم، والتمسك بدورها التاريخي المنحاز للقضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ونظرتها لمفهوم العروبة باعتباره هوية الدولة وأساس فكر حزب البعث، خاصةً أن هذه العروبة الحضارية لا تتعارض مع حالة التنوع الديني والعرقي للشعب السوري، بل تزيده غنى.