أزمة كارثة..
دمشق- البعث
كتاب “أزمة كارثة” لمؤلفه الدكتور تمام سليمان، باختصار، هو ثورة في عالم اللغة، يطرح مشكلة التبعية اللغوية للغرب في استخدام المصطلحات العربية التي هجرها أصحابها العرب، وباتوا يُدخِلون الألفاظ المستعارة من الغرب في حالة كارثة (لا كارثية) كما يقول المؤلف. ويقع الكتاب في ٢١٦ صفحة في اثني عشر فصلاً.
وقد اختار المؤلف هذا العنوان مثالاً على الأخطاء الفاشِيَة في اللغة، مدبِّجاً الكتاب بإهدائه إلى كل من يحافظ على العربية من الضياع.
ويستعرض المؤلف موضوع سيادة اللغة العربية في التاريخ والتي تشهد لها مؤلفات أعلامها بما وصل إليه الغرب من تطور في مجالات عدة من الطب والفيزياء إلى الجغرافيا والفلك ومختلف العلوم، معتبراً أن الغرب الذي استقى الكثير من المعارف من علوم العربية أحسن صنعاً بالحفاظ على أصل الكلمات العربية مثل كلمة (الكليات) وهي كتاب ابن رشد الأندلسي التي أطلقت على المؤسسة التعليمية (كلية)، بينما أهمل العرب لغتهم وباتوا عبيداً للسيد الأجنبي في التشبه بلغاته وعاداته الاجتماعية والسلوكية ظناً منهم أنه أسلوب للتحضر بل اعتبره أسلوباً للتحدر، واعتبر المؤلف أن الاستعمار وحّدَنا في اللغة ولم يوحّدْنا في التحرر منه، وبقيت آثار الاستعمار اللغوي واضحة فينا بالتبعية المطلقة للغرب في لغته وعاداته، وأن استيلاء الغرب على عقولنا هو الذي أوصلنا إلى حقيقة مخيفة وهي أننا غارقون في التعابير الإنكليزية التي استعمرت لغتنا استعماراً.
ويشمل الكتاب فصولاً استغرق فيها المؤلف بذكر المصطلحات الخاطئة بالعربية مثل (الشفافية) التي يجب أن تكون (الصراحة)، و(فبركات) التي يجب أن تكون (تلفيقات)، و(الجندرة) التي يجب أن تكون (نوع الجنس)، و(البنية التحتية) المنقولة حرفياً عن الإنكليزية والتي يجب أن تكون (النافعة) أو (المرافق الأساسية)، و(ثقافة المقاومة) والتي يجب أن تكون (تربية المقاومة)، و(ثقافة المجتمع) والتي يجب أن تكون (تقاليد المجتمع)، و(ثقافة الطعام) والتي يجب أن تكون (عادات الطعام)، و(فيس بوك) والتي يجب أن تكون (وجهاً لوجه)، و(دولة مفتاحية) التي يجب أن تكون (دولة محورية)، و(الجمارك) المنقولة عن التركية والتي يجب أن تكون (المكوس)، و(سيف مسلط) والتي يجب أن تكون (سيف مُصْلَت)، و(لغة الجسد) والتي يجب أن تكون (لغة الإشارة أو الإيحاء)، و(التدوير) والتي يجب أن تكون (التكرير). وغيرها كثير في صفحات الكتاب.
ويقول الكاتب إن المتحدثين وخاصة في مجال الإعلام حكموا بالإعدام على المفردات العربية من خلال تتبعهم الأعمى للمفردات الأجنبية التي دخلت حياتنا اليومية بشكل جنوني، و من أهم الأمثلة على ذلك استخدام المتحدث العربي في حديثه بالإنكليزية كلمة “جيروسالم” والتي تخدم الكيان المحتل أيما خدمة وتلغي الاسم العربي الجميل الذي يجب أن يقال حتى بالإنكليزية Al-Quds هكذا دون القول Jerusalem، وكذلك يجب القول Dimashq بالعربية وHalab بدلاً من Damascus وAleppo.
ويذكر الكتاب موضوعين قدمتهما سورية في الأمم المتحدة، هما إلغاء تسمية مجموعة دول الشرق الأوسط التي كانت تضم “إسرائيل”، ومعالجة موضوع الحرفية في الترجمة، واللذان صدرت بشأنهما قرارات عن الجمعية العامة للأمم المتحدة باقتراح من سورية.
ويخصص الكاتب فصلاً لتفنيد موضوع تذكير المنصب بقولنا (المدير فلانة، والقاضي فلانة، والعميد فلانة، والضابط فلانة)، استناداً إلى رأي صادر عن مجمع اللغة العربية بدمشق بأن قاعدة تذكير المنصب قاعدة خاطئة ويجب تصحيحها.
ويتعرض المؤلف للأزمة الكارثة بتسمية المحلات التجارية في سورية بأسماء أجنبية في غياب كامل للغة العربية، مشيراً إلى مسؤولية الدولة في فرض التسميات العربية للمحلات.
وينهي المؤلف كتابه بقائمتين، الأولى للمصطلحات المنقولة حرفياً من الإنكليزية، والثانية للأخطاء الشائعة في اللغة العربية.
ويقر المؤلف بأن اللغة الواردة في الكتاب قد تكون قاسية، لكن فداحة الأزمة الكارثة تتطلب معالجة جوهرية للعودة إلى أصول اللغة العربية وتعزيز مكانتها في التاريخ، لأن المحتل بقيت آثار احتلاله في اللغة بعد “الجلاء” الذي تم على الأرض، ولكن متى يتم “الجلاء” الحقيقي للاستعمار في النفوس؟.
ويختتم المؤلف كتابه بالقول إن الاستعمار خرج مدحوراً من بلادنا وعاد مزهواً بثقافته ولغاته وهو يرى العرب يحتفلون بها، وإنها تلك هي الأزمة الكارثة (لا الكارثية).
وقد اعتمد المؤلف في كتابه على أكثر من سبعين مرجعاً من أمات (لا أمهات) الكتب كما يقول لأن (الأمهات) للبشر و(أمات) للجماد والحيوان.