التوازن بين الإيديولوجي وبين الاقتصادي
علي عبود
حسم الرئيس بشار الأسد في الكلمة الشاملة التي ألقاها في افتتاح أعمال اجتماع اللجنة الموسّعة للحزب قبل عملية الانتخابات الحزبية الأخيرة الجدل الدائر منذ أشهر حول عدد من القضايا الأساسية والحيوية، مثل هوية الاقتصاد السوري، والدعم، والأوضاع المعيشية، والقطاع العام.. إلخ.
ويمكن القول إن كلمات الرئيس الأسد الأخيرة قبل وخلال وبعد الانتخابات الحزبية الأخيرة غير المسبوقة، بأنها دليل عمل للحكومة الجديدة التي ستتشكّل بعد انتخابات الدور التشريعي الرابع.
ولعلّ أحد العناوين البارزة في كلمة الرئيس الأسد هي “التوازن بين الإيديولوجي وبين الاقتصادي”، فمن دون هذا التوازن لا يمكن للحكومة تحقيق أي برامج تؤدي إلى زيادة الإنتاج، وتفعيل عمل القطاع العام، وتحسين الأوضاع المعيشية لملايين السوريين، والاستمرار بدعم المنتجين والشرائح المهمّشة وفق آليات جديدة تضمن وصوله إلى مستحقيه وتمنع الفساد.. إلخ.
لقد أشار الرئيس الأسد في كلمته إلى علاقة الحزب بالسلطة، معتبراً أن سياسات الحكومة يجب أن تنبثق من رؤية الحزب، من دون أن يلغي أحدهما الآخر، وهذا يؤكد على مسؤولية القيادة في وضع رؤية متكاملة تشمل المجالات الإيديولوجية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، لتقوم الحكومات القادمة بترجمتها إلى خطط سنوية وخمسية ترصد لها الاعتمادات الكافية، ما يعني نهاية العمل الحكومي يوماً بيوم أو وفق ردّات الفعل التي افتقدت إلى أي بعد استراتيجي خلال السنوات الثلاث الماضية على الأقل.
وكان ملفتاً جداً تأكيد الرئيس الأسد “أن العنوان الأول والأهم بالنسبة لنا جميعاً، وبالنسبة لكلّ المواطنين في سورية هو الوضع المعاشي”، وكما نعرف فقد أخفقت الحكومة بالتعامل مع هذا العنوان، بدليل أنه لم يكن شغلها الشاغل، وقد اعترفت منذ شهرين فقط بتقصيرها بدعم المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر التي تُشكّل العمود والمحرك الرئيسي للاقتصاد السوري، كما أنها لم تنجح على مدى عامين بوضع آليات فعّالة للدعم، بل منعته عن الكثير من مستحقيه، وبالتالي من المهمّ أن يكون الوضع المعاشي هو العنوان الأول والأهم في عمل الحكومة الجديدة.
وبما أن الجدل حول طبيعة الدعم ومضمونه وأهدافه لم يتوقف، وتحديداً خلال العامين الماضيين دون الوصول إلى أي نتائج، باستثناء ما أحدثته قرارات الحكومة من تجارب سلبية تارة، وفوضى تارة أخرى، فقد وضع الرئيس الأسد أمام الحكومة الجديدة التي ستتشكّل بعد أشهر قليلة المسار الصحيح للتعاطي مع ملف الوضع المعيشي، فأوضح “إذا أردنا أن ننطلق من الوضع المعاشي لا نستطيع إلا أن ننطلق من العنوان الأساسي بالنسبة لنا كحزب، وهو الاشتراكية”.
نعم>> خلافاً لاجتهادات بعض المسؤولين والمحلّلين، وتأكيداً لكل من تناسى، فإن العنوان الأساسي لحزب البعث هو الاشتراكية، وبالتالي فإنها ستبقى المدخل لأي حلول اقتصادية واجتماعية وثقافية قادمة، وفق الرؤية الشاملة التي ستضعها قيادة الحزب في القادم من الأيام، فكما أكد الرئيس الأسد “الاشتراكية بالنسبة لنا وحسب ما نفهمها اليوم هي العدالة الاجتماعية”، أي لا اشتراكية دون عدالة اجتماعية تشمل كل السوريين، ووحدها هذه العدالة ستُحسّن الأوضاع المعيشية.
وشرح الرئيس الأسد بوضوح ما بعده وضوح مفهوم الاشتراكية بمعناها الأبرز أي العدالة الاجتماعية بقوله “إن إيجاد التوازن، إيديولوجياً، أساسي في نهج البعث، ولا يمكن التخلي عنه، وعندما نتحدث عن التوازن بين القواعد الاقتصادية والقواعد الاجتماعية، فهذا يعني أن نسير بخطّ دقيق لا يكون فيه الجانب الاقتصادي مجرداً على حساب المجتمع، لأننا في هذه الحالة سوف نتحول إلى حزب رأسمالي، كما لا يمكن أن نسير بالعكس باتجاه الجانب الاجتماعي بشكل مجرد، لأننا عند ذلك سوف نكون دولة مفلسة، لذلك أتحدث عن كلّ هذه العناوين لكي نصل إلى نقطة التوازن بين الإيديولوجي وبين الاقتصادي”!
الخلاصة: ننتظر من القيادة الجديدة للبعث أن تضع خلال الأشهر القليلة القادمة رؤية شاملة عنوانها “التوازن بين الإيديولوجي وبين الاقتصادي”، كي تتمكن الحكومة الجديدة بتنفيذها من خلال خطط سنوية وخمسية تتمحور حول الاعتماد على الذات وأولوية الزراعة، ودعم الصناعة، وتحفيز المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر.. الخ، فمثل هذه الرؤية والخطط وحدها الكفيلة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين الأوضاع المعيشية لملايين السوريين.