حديث الرفيق الأمين العام.. نحو تصحيح العلاقة بين الحزب والدولة والمجتمع
طلال ياسر الزعبي
كان حديث الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي، الرفيق بشار الأسد، خلال الاجتماع الموسّع للجنة المركزية الذي عُقد في قصر المؤتمرات بدمشق، واضحاً في الإشارة إلى مجموعة من الأمور التي ينبغي أن تُعالج في إطار النظام الداخلي للحزب، حتى يتمكّن من قيادة الدولة والمجتمع إلى برّ الأمان في ظل الظروف الداخلية التي تعيشها سورية، ليس فقط بعد الحرب الكونية التي تعرّضت لها خلال العقد الماضي، وما أفرزته من مشكلات اقتصادية واجتماعية وأمنية وفكرية وغيرها، وإنما عبر التراكمات والأخطاء التي وقعت خلال مسيرة الحزب الذي تعرّض هو الآخر خلال الفترة الماضية لأبشع الحروب التي استهدفت في الأساس النيل من عقيدته المبنية على أساس قومي، و”هي التي يمكن أن تؤدّي إلى إسقاط الحزب مؤسسةً وعقيدةً”.
فالتركيز يجب أن يكون أولاً على كيفية الحفاظ على هذا الحزب بوصفه مؤسسة تُعنى بمصالح البلاد بكل شرائحه ومكوّناته المجتمعية والعرقية والدينية، لأنه حزب يقود الدولة والمجتمع، وبالتالي فإن العمل يجب أن ينصبّ على إصلاح مجموعة من الأخطاء التي وقعت سابقاً، وهذا لا يكون طبعاً إلا من خلال مراجعة شاملة ووافية لمجموعة من العناوين، منها علاقة الحزب بالسلطة، حيث لا بدّ من تركيز مؤتمرات اللجنة المركزية والفروع والشعب على الحوار والنقاش والقرار والمحاسبة كنتيجة طبيعية لكل ما تم خلال الانتخابات الحزبية الأخيرة.
ومن هنا، “لا بد من إعادة مراجعة النظام الداخلي وبشكل سريع، لأنه من دون النظام الداخلي فأي شيء نفكر بتطويره لا يمكن أن يؤدّي إلى أي نتيجة”، وهذا لا يتأتى إلا من خلال طرح جميع الأسئلة والهموم على طاولة الحوار، والبحث عن الحلول المؤدّية إلى نتائج واقعية على الأرض تلبّي طموحات الجميع، ولا تقفز في الوقت ذاته فوق المشكلات القائمة، فالنظام الداخلي أساس الإنجاز في أي مجال.
ومن الأمور الملحّة في الوقت الحالي البحث عن حلول للمشكلات الاقتصادية التي تواجهها سورية، وهذا الحديث يجب أن يكون واقعياً ويأخذ بعين الاعتبار الظروف الراهنة التي نعيشها، والتحدّيات الأساسية التي نواجهها، ومنها طبعاً تحقيق العدالة الاجتماعية الذي هو من المبادئ الأساسية لحزب البعث في علاقته مع الجماهير، وخاصة من الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، دون إغفال مصلحة الطبقة الغنية، وبالتالي علينا أن نحدّد الأنموذج الذي يناسبنا لتحقيق ذلك، والحزب بديناميّته وحيويّته المتجدّدة يجب أن يكون قادراً على التعامل مع مثل هذه المصاعب، لأن العجز هنا سيؤدّي بالحزب ذاته إلى الفشل والتراخي، ونحن هنا نبحث عن كيفية جعله قادراً على النهوض مجدّداً بحاجات المجتمع والدولة.
ولذلك، يجب إيجاد التوازن بين أيديولوجيا البعث والقواعد الاقتصادية، فالاشتراكية التي يتبنّاها الحزب لا تعني مطلقاً الانكماش وعدم مسايرة النظريات الاقتصادية العالمية، بل بالإمكان تحقيق التوازن بين الأنموذج الاشتراكي والعلاقات الاقتصادية بين دول العالم المبنية على الفكر الرأسمالي، والأنموذج الصيني مثال واضح على ذلك، وهذا سيقود بالمحصّلة إلى تمكّن الحزب من مسايرة جميع النظريات الاقتصادية في العالم دون المسّ طبعاً بمصالح الطبقات الكادحة، حيث إن التوجّه نحو اقتصاد السوق “لا يعني التخلي عن الدعم لأن الدعم ليس ضرورياً فقط للشرائح الأفقر، الدعم ضروري لقوة الاقتصاد، المشكلة ليست في مبدأ الدعم وإنما في شكل وفي طريقة الدعم”، ومن هنا ينبغي علينا البحث في آليات جديدة لتقديم الدعم لا تستطيع يد الفساد التسلل إليها، وفي الوقت نفسه تقنين هذا الدعم لإيصاله إلى مستحقّيه الفعليين الذين هم القوّة الشرائية الكبرى في البلد وعليهم تماماً تتوقف دورة الاقتصاد في البلاد.
على أن من أبرز القضايا، التي تطرق إليها خطاب الرفيق الأمين العام للحزب، كان الحفاظ على عقيدة الحزب بوصفه ممثّلاً لمصالح جميع الجماهير على اختلاف انتماءاتها، حيث تعرّض طوال الفترة الماضية لهجمات كبيرة عليه في محاولة لنسف عقيدته الأساسية التي تدعو إلى وحدة الجميع تحت مفهوم العروبة التي ستبقى “أساس فكرنا وتوجّهاتنا وانتمائنا الفطري والطبيعي، لأن العروبة بالنسبة لنا هي العمود الفقري الذي يحمل مكوّنات المجتمع”، وهذا بالضبط ما عمل الغرب طويلاً على استهداف سورية من خلاله، لأنه يدرك جيّداً أن هذا هو الرابط العميق الذي يربط جماهير الأمة، التي يجب أن تكون العلاقة بينها علاقة طبيعية وعضوية يحكمها التكامل والانسجام دون تناقض أو صدام أو إقصاء.
وبعيداً عن الشق السياسي الذي لم يغفله الرفيق الأمين العام للحزب في حديثه، فإن التركيز على إصلاح الحزب من الداخل كان الهم الأساسي الذي تعرّض له، لأن الرفيق الأسد يدرك جيّداً أن أيّ إصلاح للدولة والمجتمع يجب أن ينطلق أوّلاً من إصلاح النظام الداخلي للحزب على جميع المستويات التنظيمية والفكرية والعلاقة مع السلطة والمجتمع، وهذا ما سيكون نواة حقيقية لأي حركة تصحيحية في المجتمع، فالارتداد إلى الذات وإصلاحها هو المطلوب أوّلاً، ومن ثمّ يتم تناول الآخر بكل ما يمثّل.