حشرة “الجادوب” تلتهم أشجار الصنوبر وتتسبب بأضرار كبيرة للبيئة والبشر
ميادة حسن
تتعرّض أشجار الصنوبر في المناطق الحراجية وفي الشوارع وبجوار المدارس والمؤسسات، والمنازل لـ”هجوم” حشرة “الجادوب” الخطيرة التي تتغذى على المجموع الخضري للأوراق بشكل جزئي وكليّ في بعض الحالات، مما يؤدي إلى تعرية الأشجار وموتها، والمخيف أن الحشرة انتشرت في الآونة الأخيرة بشكل غير مسبوق، حيث هاجمت الأشجار كأسراب ووضعت أعشاشاً من البيض واليرقات، وبدت الأشجار على امتداد واسع كأنها تعرّضت للحريق، علماً أننا في فصل الربيع، بالإضافة إلى ضرر الأشجار فإن هذه الحشرة تسبّبت بضرر بشري حيث تتسبّب بحساسية في الجلد.
هواجس وقلق
حجم الأضرار التي لحقت بالأشجار وتبعاتها على السكان أثارت جملةً من التساؤلات حول الحلول التي يمكن أن تقدّمها وزارة الزراعة للتخلّص من هذه المشكلة والحفاظ على البيئة الخضراء، وهذا ما تحدث عنه عضو مجلس الشعب المحامي نضال مهنا في حديثه لـ”البعث”، مشيراً إلى وجود قلق لدى المواطنين من عدم الاستجابة لاستغاثاتهم وعدم تنفيذ البرامج المعتمدة تقليدياً من دوائر وقاية النبات في مديريات الزراعة.
وقال مهنا: على الرغم من قدرة الأشجار في فصل الربيع على تجديد جزء من المجموع الخضري إلا أن تفاقم هذا الوباء وتكاثره، وعدم وضع خطط مستقبلية لمواجهة التغيرات المناخية بالأساليب والخطط المتكاملة عبر ناثرات الضباب الحديثة والطيران الزراعي، سيجعل آفة الجادوب تتفاقم وخطرها يزداد على الإنسان والغابات والغطاء النباتي.
انتشار واسع
وحول الإجراءات التي تقوم بها وزارة الزراعة لمكافحة جادوب الصنوبر، بيّن مدير وقاية النباتات في الوزارة إياد محمد أن حشرة الجاذوب تهاجم أشجار الصنوبر وتنتشر في معظم المحافظات، وخاصة في حلب واللاذقية وطرطوس وإدلب وحماة وحمص والغاب، وقد تمّ تسجيل وجودها خلال عام 2022 في دمشق، وتحديداً بمنطقة جبل قاسيون، مشيراً إلى أن الحرائق التي حدثت في شهر تمور العام الماضي بالمنطقة الساحلية كان لها دور في هجرة هذه الحشرة إلى بقية المواقع الحراجية، والذي حصل أنها تكاثرت بكثافة بعد أن وضعت بيوضها على الأشجار، وعلى الرغم من انخفاض درجات الحرارة لأقل من /4/ درجات مئوية، لكن لم تتأثر الآفة وفقست البيوض بشكل مبكر في تشرين الأول وحدثت هجرة اليرقات في بداية شهر آذار لهذا العام.
إجراءات جادة
من جانب آخر ساهم تسارع التشجير بالصنوبر إلى تكاثر أسرع لحشرة الجادوب وانتشارها بشكل غير اعتيادي، حيث تستطيع فراشة الجادوب الطيران بضعة كيلومترات بعد انبثاقها، أما (رتل) اليرقات فيمكنه السير حتى 37 متراً، وهذا ما أوضحه المهندس حازم الزيلع رئيس دائرة الآفات في مديرية وقاية النبات، مبيناً أن انتشار الحشرة يتمّ عن طريق تنقلها مع النباتات وشتول الصنوبر التي توزع وتزرع بأكياس بلاستيكية وتحتوي بعض أفراد يرقات الحشرة، لذلك اعتمدت الوزارة بحسب “الزيلع” برنامج إدارة متكاملة يعتمد على المكافحة الميكانيكية عن طريق قصّ مجموعات بيوض الحشرة، إضافة إلى قص الأعشاش بمقصات طويلة الذراع وأيضاً اعتماد المكافحة الكيميائية عن طريق الرش بالتضبيب باستخدام الزيت البترولي عند فقس 80% من البيوض، وأيضاً رشه على يرقات الطور الأول والثاني الموجودة على الأشجار بجوانب الطرقات، وأيضاً في المواقع المأهولة في المدن والقرى بجوار الأبنية والمدارس، أما في نهاية الخريف فيستخدم مبيد “بيرثرويدي” رشاً على جذوع الأشجار المصابة بشكل حلقة على ارتفاع 1,5 متر بتركيز /1/ لتر لكل 100/ لتر ماء، وخاصة في الأماكن المأهولة والسياحية والقريبة من المدارس، وبحسب الزيلع لم تستطع وزارة الزراعة في الأعوام الماضية 2022– 2023– 2024 تأمين مبيد مانع الانسلاخ وهو “ديميلين زيتي” مع مادة المازوت بسبب العقوبات المفروضة على سورية، وتمّ استبداله بتأمين مبيد “اتابرون” وهو مبيد مانع انسلاخ ولكن يخلط مع الماء، وبالتالي المساحة التي يكافحها أقل بكثير، كما أن هناك صعوبة في وصول المبيد للأشجار المرتفعة وعدم إمكانية وصول المبيد لمسافات ضمن الغابة.
إدارة متكاملة
ويؤكد الزيلع أنه لا يوجد تخوف من انتشار هذه الآفة بشكل أكبر في العام المقبل قياساً بما قام به برنامج الإدارة المتكاملة في وزارة الزراعة المعمّم على كافة المحافظات المصابة بالآفة، والتي تشمل عمليات التحري والمراقبة من خلال نشر المصائد الفرمونية قبل الموعد المتوقع لخروج الحشرات الكاملة والطرق الميكانيكية المتضمنة جمع البيض وأعشاش الشتاء واليرقات في مرحلة الرتل والمكافحة الكيميائية، ولكن على الرغم من الإجراءات المنفذة للحدّ من انتشار الآفة، أشار رئيس دائرة الآفات إلى حدوث فورة خلال هذا العام أدّت إلى الانتشار الكبير، لافتاً إلى أن وزارة الزراعة ستسعى دائماً لتأمين مبيد الديميلين خلال العام القادم والذي يمكن أن يسهم في خفض المساحات المصابة، علماً أن الأشجار حالياً وعلى الرغم من تغذية الحشرة على الأوراق الإبرية للصنوبر إلا أنه لوحظ وجود نموات جديدة على الأشجار تعوضها عن الفاقد الحاصل عن التغذية.
الأضرار الإنسانية
وفيما يتعلق بالحساسية التي تتسبّب بها هذه الآفة للأهالي، بيّن الزيلع أن يرقات الحشرة بدءاً من الطور اليرقي الثالث تحمل شعيرات وأوباراً سامة تسبّب أعراض تحسس للإنسان، مثل التهاب الملتحمة واحتقان الأنف وتهيج في الجلد وحكة لكل من يلمسها أو يقترب منها، لذلك تقوم الوحدات الإرشادية بتحذير وتوعية الأهالي من لمس اليرقات، وقد قامت مديريات الزراعة برش كافة الأشجار المحيطة بالمدارس والأماكن السياحية والقريبة من الأهالي، أما ما يتعلق بوجود (بيض وشرانق) متبقية على الأشجار حتى الآن، فبيّن أن يرقات الحشرة انتقلت إلى التربة ولا يوجد بيوض أو شرانق على الأشجار وإنما يوجد أعشاش خالية من اليرقات بسبب هجرتها إلى التربة ولا تسبّب أي أضرار.