الطاقة الشمسية.. سوق واعدة تعج بالفوضى والمهربات وتحديات متراكمة مع تجميد التسهيلات
دمشق- زينب محسن سلوم
وفي وقت كانت تنتظر السوق المحلية متابعة الجهات المعنية لقطاع الطاقة البديلة، صدر مجموعة من الإجراءات التي تثير التساؤل إن كان نفعها أكثر من ضررها على المصلحة العامة، ولاسيما توصية اللجنة الاقتصادية بفرض ضميمة ٢٥ دولار على كل لوح طاقة شمسية مستورد.
ولسنا هنا ضد هذا القرار إن كان قد تم بناؤه على أسس تشفع لسنه بعد الإجابة وبشكل دقيق عن مجموعة هواجس تتوارد الى الأذهان، نذكر منها: كم من منشأة محلية لدينا لتصنيع الألواح، وهل هي جديرة بالحماية وقادرة على تلبية احتياج السوق، وإلى أي مدى نحن قادرون على التصنيع ضمن مكوناتها، أو ما هي نسبة القيم المضافة الحقيقية التي تضيفها منشآتنا على تلك الألواح، أم أنها تقوم بالتجميع فقط، وهل هناك من حزم تسهيلات حقيقية تشجع الصناعي على الإنتاج ومنافسة المستورد والمهرب؟
وفي مقلب المستهلك فالتساؤلات أعظم، حيث بين سمير “موظف حكومي”، أن ساعات وصل الكهرباء في أغلب أوقات السنة لا تتجاوز الساعة مقابل خمس ساعات وصل سواءً في حرّ الصيف، أو في برد وظلمة الشتاء، ناهيك عن تعطل الشبكات الكهربائية نتيجة سوء مواد الكابلات ونوعيتها، والتراخي في أعمال الصيانة، إضافة إلى الأحمال العالية للأجهزة من غسالات وتدفئة وطباخات وسخانات مياه تعمل مع بعضها خلال ساعات وصل التيار الشحيحة، مضيفاً: نطمح لتركيب منظومة توليد كهرشمسية للمنزل عبر عروض التقسيط مدعومة الفوائد التي يقدمها صندوق الطاقات المتجددة، ولكن المشكلة في انتظار الدور والروتين والمعاملات الإدارية وشكل بيانات الملكية “في مناطق المخالفات والعشوائيات”، وفي كبر مبلغ القسط الذي يحتاج نصف مرتبه على مدار عدة سنوات، لافتاً إلى أن تلك المجموعة عاجزة عن سد احتياجه من الكهرباء لجهة تشغيل الغسالات أو سخانات المياه لأنها تحتاج مبالغ قد تضاهي سعر منزله.
بدوره، صفوان “صاحب مشروع تصنيع غذائي ريفي لإنتاج الألبان والأجبان”، أفاد بأنه يريد توسيع نشاطه من غرفة صغيرة متواضعة بالكاد تنتج مبلغاً بسيطاً، لكن ندرة التيار الكهربائي وغلاء المشتقات النفطية اللازمة لتشغيل مولدة الكهرباء منعته من ذلك، مبيناً أن اعتماده على الطاقة الشمسية مستحيل بسبب الغلاء المرعب لأسعار البطاريات ورداءة معظمها وحاجتها للتبديل المستمر، حيث تباع بأضعاف سعرها بالمقارنة مع دول الجوار مثل لبنان، فيما قال، عماد “صاحب بقالية”: لقد تخلصت من جميع البرادات والألبان والمثلجات من محلي، بعد خسائر فادحة مُنيت بها، وخاصةً بعد تجارب فاشلة في تركيب منظومات لادخار أو لتوليد التيار الكهرشمسي؛ فكلها كانت غير وافية بالغرض، وكلها ذات عمر افتراضي قصير، مرجعاً ذلك لأنه اعتمد أنواع رخيصة تناسب ميزانيته، ولا سيما أنه يبيع “بقناعة وبهامش ربح بسيط”.
على صعيد العاملين في هذا القطاع، أكد المدير الفني لشركة متخصصة بتركيب معدات الطاقة، المهندس مجد إبراهيم، أن سوق الطاقة الشمسية سوق واعد، وخصوصاً لناحية الواقع الصعب حالياً لجهة صعوبة وكلفة تأمين المشتقات البترولية اللازمة لعمل مجموعات التوليد، وما يرافق ذلك من تكاليف صيانة وتشغيل ضخمة قد تكون غير متوافرة بسبب العقوبات أحادية الجانب المفروضة على الشعب السوري، مضيفاً: حتى لو تم تجاوز هذه التحديات فالتعرفة الجديدة للكهرباء -إن توفرت الشبكة الكهربائية على مدار اليوم- سترفع قيمة الفاتورة المنزلية لأكثر من نصف مليون ليرة شهرياً -حسب التصريحات الرسمية- في وقت يقدر وسطي مرتب ذوي الدخل المحدود في وظائف الدولة بـ٣٠٠-٤٠٠ ألف ليرة.
وحول الصعوبات التي تواجه قطاع شركات التركيب، أوضح إبراهيم أنهم يواجهون بعض الصعوبات في تأمين المواد الأولية اللازمة لنشاطهم، مرجعاً ذلك إلى عدم اكتمال خطوات الإشراف الحكومي بالشكل المطلوب، وعدم توافر لائحة شروط فنية من نقابة المهندسين، ما سمح لفنيين غير متخصصين بالعلوم الكهربائية باستلام وتركيب نظم كهربائية “منزلية وصناعية” لم تلبِ الغرض لأنها نُفّذت بطريقة خاطئة، ودون دراسة فنية للأحمال الكهربائية، ما تسبب بحدوث خسائر كبيرة لعدد كبير من المواطنين، مشدّداً على أن بعض قرارات منع الاستيراد، وخصوصاً “منع استيراد البطاريات”، في ظلّ عدم وجود بديل محلي ذو جودة مقبولة حتى تاريخه،كانت ذات أثر سلبي كما بين أن هذا القطاع يعاني أيضاً من صعوبة الحصول على الموافقات الحكومية لبدء نشاط صناعي بمنتجات الطاقة الشمسية (معامل منظمات، وعواكس كهربائية، معامل بطاريات، معامل تجميع ألواح طاقة شمسية)، حيث يصطدم رجال الأعمال المحليين بمجموعة من الشروط “التعجيزية” لإقامة منشآت صناعية، ما أدى إلى صرف نظرهم عن اللجوء للتصنيع المحلي، والاقتصار على الاستيراد، ناهيك عن وجود بضائع مهربة بالسوق ومجهولة المصدر، وبدون كفالات نظامية أو فواتير صحيحة وهي بلا شك منخفضة الجودة، كما تعاني سوقنا من التذبذب بأسعار التكلفة بشكل مضر بهذا القطاع.
من جهةٍ ثانية، أكد أياد خضور، مدير التكاليف والتحليل المالي في وزارة الصناعة، في تصريح لـ”البعث” أنه يوجد لدينا في سورية خمس منشآت مرخصة لصناعة الألواح الكهرضوئية، منها باشر بالإنتاج، ومنها قيد الإنتاج، ومنها قيد الإنجاز، مشيراً إلى أن هذه الصناعة تعتبر من الصناعات الناشئة، وهي صناعة مهمة جداً للبلاد عبر توفير المشتقات النفطية اللازمة للكهرباء، كما تخفف الضغط على الشبكة الكهربائية وتؤمن احتياجات المستهلكين من الكهرباء.
وأشار إلى أنه يتم بدايةً إنتاج هذه الالواح من مرحلة التجميع تمهيداً للوصول إلى مرحلة التصنيع، حيث تتطلب هذه الصناعة استثمارات كبيرة كونها تعتمد على تكنولوجيا حديثة.
وحول توصية اللجنة الاقتصادية، بيّن أنها لم تلغ الاستيراد، وإنما جاءت فقط في إطار حماية الصناعات الناشئة، والمنتج المحلي، وتشجيعاً لرأس المال للاستثمار في مجال إنتاج الالواح الشمسية، وضمن سياسة إحلال الواردات، ما يوفر في القطع الأجنبي ويرشّد إنفاقه، ويخلق فرص عمل جديدة، فضلاً عن أنه يضمن منتج بكفاءة عالية من الناحية الفنية وبأسعار مناسبة في السوق المحلية.
كما أكد مدير التكاليف أن كل هذه الخطوات ستنعكس إيجاباً على مستوى الاقتصاد الكلي على المدى المتوسط، منوهاً بأن التحول إلى الطاقة البديلة يحظى بالعديد من المزايا والتسهيلات، ويوجد هناك صندوق الطاقات المتجدّدة الذي يمنح قروضاً لهذه الغاية، وفي ضوء تقييم نتائج القرار “الضميمة”، وأثره ربما سيترافق مع حزمة من الإجراءات لتحقيق الهدف المرجو منه بما يحقق مصلحة كافة الأطراف.