“الإبقاء على الزخم وتأمين تغذية راجعة”.. عنوان المرحلة
بسام هاشم
لعل أخطر ما يمكن أن يواجه “البعث” في مرحلة ما بعد تجديد مؤسساته القيادية هو إشاعة وهم من الاسترخاء المزيف، والطمأنينة الكاذبة، والاستسلام لفرضية أن “المهمة أنجزت”، وأن ما يتعين علينا القيام به، بعد الآن، لا يتجاوز حدود انتظار توجيهات جديدة..
واليوم، وبعد أكثر من أسبوع على انتخاب قيادة مركزية جديدة، يبدو تفحص مسلكياتنا الحزبية، للعمل على تقويمها، أو تكييفها، أو مواءمتها على الأقل، مع فضاء البعث الجديد، نقطة الانطلاق لـ “الإبقاء على الزخم”، الذي دعا إليه الرفيق الأسد في كلمته الختامية في الاجتماع الموسع للّجنة المركزية. ذلك أن ذهنية التغيير لا يمكن أن تتفق مع استمرار الكثير من الممارسات المتوارثة التي كانت حولت مكاتب الكثير من القيادات الحزبية، لفترة طويلة ماضية، إلى نوع من “المختارية”، وكرّست ثقافة “المعلّم” الشهيرة، بكل سلبياتها، وغلّبت روح ا”لاستزلام” و”الانقياد” على الثقافة الرفاقية الفاعلة والمتكافئة والديناميكية.
ولعلّ هذا التكييف أو المواءمة لا ينبغي أن يقف عند حدود سلوك بعض الكوادر الحزبية، بل يجب أن يطال أغلب بروتوكولات عمل المستويات القيادية المتسلسلة. وإذا كان الهدف هو “تحويل الحزب إلى مؤسسة انطلاقاً من حوار معمق وعلى كافة المستويات الحزبية”، وإذا كان “إصلاح النظام الداخلي أساس تطوير البنية التنظيمية”، كما حدد الرفيق الأسد، فإن تفعيل مبدأ المشاركة والمسؤولية إنما ينهض على الاعتراف بالشخصية الحزبية كوجود مستقل، والعودة إلى مفهوم الرفاقية الأصيلة، وتكريس مدونات سلوك جديدة قائمة على التكافؤ والندية.
والواقع أن ما طرحة الرفيق الأسد في افتتاح أعمال الاجتماع الموسع للجنة المركزية يتجاوز كونه برنامجاً أو خطة عمل إجرائية.. لقد شكل رؤية استراتيجية وفلسفية للدولة والمجتمع، وتصوراً لمكانة ودور سورية على امتداد المرحلة المقبلة.. وإذا كان الرفيق الأمين العام، بدافع من تواضع العارف ونكران الذات والممارسة الديموقراطية المتقدمة، قد ترك للمستويات الحزبية المختلفة مسؤولية الخوض في التفاصيل وإجراء النقاشات اللازمة وتقديم الإجابات وصياغة القرارات الضرورية، لكي “لا أقطع الطريق على النقاش والحوار على المستويات الحزبية والوطنية”، فإن علينا أن نتذكر، بالمقابل، أن الرفيق الأسد أرسى قواعد ممارسة وتفكير مختلفين، ورسم الملامح العريضة للشخصية البعثية الجديدة، البعيدة عن المداهنة والمهادنة والمحسوبية، والمترفعة عن المظاهر الشكلية، والتي ترفض “إخضاعها” لتقاليد ومظاهر متكلفة تجعلها أسيرة تقاليد وتشريفات بالية ومتخلفة، ولا تنتمي أصلاً لمسلكيات “البعث”، وليست من ثقافته أو أدبياته؛ فالبعثي الجديد يغادر المكاتب الفارهة والمقاعد الوثيرة ومظاهر الأبّهة والتشاوف إلى حيث يحتاجه أنصار البعث في الأحياء والقرى، والحقول والمنشآت والمصانع، وإلى حيث يفترض أن يعثر الحزب على قوة الدفع الأولية التي تمنحه القدرة على التحرك، وتعيد له التفاعل الحي مع قاعدته الانتخابية.. ولن نقول الشعبية.
لا يعني ذلك إطلاقاً العودة، مثلاً، إلى بعث 1947، أو بعث الأرياف، أو أية مرحلة أخرى في تطور الحزب.. الأحرى أنه يعني بعثاً يضع قدمه على الطريق التي تنقذه من البيروقراطية وسلطة المكاتب، وتحرّره من “بطانات” و”حاشيات” طفيلية لا وظيفة لها سوى الإساءة إلى السمعة الشخصية والحزبية، ومن مريدين مزعومين لا علاقة لهم بـ”البعث” إلا خدمة مصالحهم الضيقة والأنانية!! بلى.. يراهن البعث الجديد على شخصية بعثية تعي بدقة حجم وطبيعة التطورات الحاصلة، وتدرك بعمق متطلبات واحتياجات المرحلة، ولديها من روح التحدي، ونكران الذات، والإنتماء، ما يجعلها جديرة بالحفاظ على “الزخم الذي عشناه في الأشهر القليلة الماضية”، والذي “تفاعلت معه مختلف شرائح المجتمع السوري وقواه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفكرية”.. إن “الإبقاء على الزخم” و”تأمين تغذية راجعة من المستويات الأدنى”، هو عنوان الانطلاقة الراهنة؛ ولن يتحقق ذلك إلا من خلال تكريس أنموذج الشخصية البعثية المتعالية على الولاءات اللفظية والترّهات الشكلية، والمدركة بأن الفوز بأصوات الرفاق أمانة وثقة خاضعة للمساءلة كل يوم.
لقد أشار الرفيق الأسد إلى أن عملاً كثيراً ينتظر البعثيين، وتلك مقولة رئيسية في عملية التغيير المفصلي والتاريخي الذي شهده الحزب منذ كانون الأول الماضي، بما يرتب على القيادات البعثية الجديدة تفعيل الطاقة الكبيرة التي فعّلها الحزبون بإرادتهم، وليس بأي إرادة أخرى، وعدم السماح لتلك الطاقة بـ”التخامل”، ولكن من المهم التأكيد على أن التغيير عملية لا تتجزأ، ولا يمكن فيها الفصل بين الشخصي والموضوعي، ولا بين التفكير والممارسة اليومية.