وجهٌ مزدوج ونفاق دبلوماسي
عناية ناصر
بدأت الولايات المتحدة في إظهار “وجهها المزدوج” للتعامل مع الضغوط المحلية والدولية، فيما يتصل بالقضايا المرتبطة بـ”إسرائيل”، بزعمها انتقاد الأنشطة والعمليات العسكرية “الإسرائيلية” في غزة من ناحية، بينما تؤكد من جديد دعمها الثابت لـ”إسرائيل” من ناحية أخرى. ويعكس هذا التناقض الذاتي على وجه التحديد سياسة الانقسام المتزايد التي تنتهجها إدارة جو بايدن ويظهر بشكل كامل نفاق الدبلوماسية الأمريكية.
وكان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قد وجّه في 12 أيار من الشهر الحالي “أقوى انتقاد علني” لإدارة بايدن حول سلوك “إسرائيل” في الحرب في غزة، قائلاً: إن التكتيكات “الإسرائيلية” تعني “خسارة مروّعة في أرواح المدنيين الأبرياء”. وفي اليوم نفسه، أكّد مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان “التزام الولايات المتحدة الصارم بأمن “إسرائيل” وهزيمة المقاومة الفلسطينية في غزة”، في مكالمته الهاتفية مع مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي.
لقد أدانت واشنطن باستمرار هجمات المقاومة الفلسطينية ضد “إسرائيل”، في حين كان انتقادها للقصف “الإسرائيلي” الواسع النطاق للمدنيين الفلسطينيين، الذي أدّى إلى خسائر غير متناسبة، يبدو دائماً نفاقاً بسبب أفعالها. لقد كانت الولايات المتحدة تعرب عن “انتقاداتها العلنية” وتزعم أنها تهتم “بحياة الأبرياء”، لكنها في الوقت نفسه، تكرّر التزامها الصارم بالإذعان لـ”إسرائيل” وأفعالها، وهذا أمر متناقض تماماً وخادع للذات.
إن ما يسمّى الانتقاد القاسي لـ”إسرائيل” ليس سوى إجراء مؤقت يهدف إلى تخفيف الضغوط المحلية والدولية على الحكومة الأمريكية، فما يهمّ الساسة الأمريكيين أكثر هو مصالحهم السياسية. وفي هذا الإطار، قال لي هايدونغ، الأستاذ في جامعة الشؤون الخارجية الصينية: “لقد أدركت إدارة بايدن بوضوح أن دعمها الأعمى وانحيازها لـ”إسرائيل” أثر سلباً في معدلات شعبية بايدن في بعض الولايات المتأرجحة الرئيسية خلال الانتخابات العامة، لذلك يحتاجون إلى استخدام انتقادات ظاهرية لـ”إسرائيل” لجذب الناخبين”.
من جهة أخرى، على المستوى الدولي، صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية واسعة لدعم فلسطين لتصبح عضواً كاملاً في الأمم المتحدة، حيث وافقت 142 دولة عضواً في الأمم المتحدة، بينما صوّتت تسع دول فقط، بما في ذلك الولايات المتحدة، ضد القرار، وهذا أوضح مثال على فشل واشنطن في التلاعب بالآليات المتعدّدة الأطراف، في حين تعارض الإجماع الذي توصّلت إليه أغلبية المجتمع الدولي.
إن النفوذ الدولي للولايات المتحدة يتراجع الآن بشكل كبير، ويرجع ذلك إلى حدّ كبير إلى طبيعتها المزدوجة. ويعتقد لو شيانغ، الباحث في الدراسات الأمريكية في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، أن هذا سيؤدّي إلى المزيد من خسارة النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط.
فـ”الوجه المزدوج” للولايات المتحدة تجاه “إسرائيل” هو محاولة للردّ على الضغوط المحلية والدولية دون إزعاج “إسرائيل”، لكن هذا النهج لن يؤدّي في نهاية المطاف إلا إلى الإضرار بسمعة الولايات المتحدة الدولية، وكذلك إلى نتائج عكسية على إدارة بايدن. ومن غير المرجّح أن يساعد هذا بشكل فعّال في حل الصراع الفلسطيني “الإسرائيلي” أو يرضي أولئك الذين يطالبون بتغيير سياسة الولايات المتحدة تجاه “إسرائيل”.
من الواضح أن الاحتجاجات في الكليات والجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني “الإسرائيلي” قد فشلت في إيقاظ الولايات المتحدة وتغيير نهجها، وهذا الاستمرار في المسار الخاطئ لن يؤدّي إلا إلى المزيد من العواقب السلبية بالنسبة للولايات المتحدة.