ثقافةصحيفة البعث

“لمسة وفاء” وتحية للراحل سالم عكاوي  

ملده شويكاني

أجاد الفنان الراحل سالم عكاوي الخطّ العربي، وأدخله إلى لوحته ضمن عناصرها المتمركزة داخل الفضاء اللوني بأسلوب تجريدي برؤيته الخاصة، مستخدماً موادّ مختلفة ومستلهماً من مفردات التراث موضوعاته في جانب من مساره الفني، فنقل ملامح البيئة الفراتية إلى المشهد التشكيلي، كما عمل بمهرجانات طلائع البعث.

ومن صالة الرواق العربي المكان المحبب إليه والذي كان يرتاده، أقام اتحاد الفنانين التشكيليين في سورية معرضاً تحية لروحه بمناسبة مرور أربعين يوماً على وفاته، بمشاركة عدد من التشكيليين، غالبيتهم من أصدقائه، بحضور رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين المهندس عرفان أبو الشامات.

وقد هيمنت ومضة حزن شفيف على اللوحات سواء باللون أو بالتكوينات التعبيرية لتأملات أنثى ولروح المدينة التي كانت حاضرة بإشارة إلى تهجير الراحل من مدينته الرقة، بالإضافة إلى الورود.

ومن حيث الأساليب غلبت التعبيرية والواقعية على الأعمال، وحفل بأسماء لامعة بالمشهد التشكيلي، منهم موفق مخول وغازي عانا وبشير بشير وبسام الحجلي وغيرهم.

استهل الافتتاح مصطفى حميدي من أقرباء الراحل بكلمة تأبينية، أشاد فيها بتمثل الراحل الأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة، فكان دمث الخلق، وحلو اللسان، وطيب المعشر، قدّم لوحة جذابة توافقت بين الصورة البصرية والمضمون بأسلوب التجريد وبالتلوين بإحساس عال، وأشاد بالمبادرة الإيجابية التي أقامها الاتحاد بمشاركة الفنانين، تعبيراً عن محبتهم ووفائهم للراحل الذي وافته المنية وهو في السادسة والخمسين وفي أوج عطائه الفني.

ومن ثم توقفت “البعث” مع عصام المأمون المعروف بالدمج بين النحت والرسم، لكنه اختار مشاركته بالرسم فقط للوحة ضمن مساره بتجسيد الهمّ الإنساني بأسلوب تعبيري بتحديدات الخط الأسود لأشخاص يجتمعون حول الطاولة، تحمل فكراً ومساحة للقراءة على خلفية معالم المدينة، موّظفاً كعادته الكولاج بقصاصات ورموز بطريقة دقيقة بألوان الإكليريك ومواد أخرى، وتحدث عن الجانب الإنساني من شخصية الراحل عكاوي الحامل أخلاقيات رائعة، ووصفه بالنبيل بسلوكياته ومواقفه واهتمامه بالآخرين، وتابع عن الجانب الفني الذي تميّز به بالتجريد والحروفية والتراث ما جعله بمصاف الفنانين الذين تمكّنوا من أدواتهم.

أما صديقه أحمد كمال من أبناء الرقة أيضاً، فشارك بلوحة حروفية خطّ فيها اسم سالم بالخط الذهبي والإكليريك وشيء من الكولاج، موظّفاً حرفي الألف واللام باستطالة نحو الأعلى بهالة محيطة باللون الأبيض، إيماءة إلى ارتقاء روحه، ومعبّراً بالوردة الحمراء الصغيرة عن لمسة وفاء له، وأوضح أن الراحل نشأ مع الحرف وأجاد أنواع الخطوط، ثم أحسّ بأن الحرف يضيق به، فانتقل من الحرف إلى التجريد، فأبدع بمجاله ورسم الفرات بكل ألوانه ومواسم الحصاد والهباري وتراث الرقة، وقد أتقن فنية التوازن بالعمل.

ورأى محي الدين الحمصي أن سالم عكاوي أيقونة فنية تشكيلية سورية من أيقونات سورية فرسمه بفنية غير مباشرة بأيقونة كونه يشتغل بتجريد الأيقونات بأكليريك وبطغيان اللون الأبيض، ما يدل على عالم النقاء والصفاء الذي انتقل إليه عكاوي، ونوّه في حديثه إلى الذكريات الجميلة التي تربطه بالراحل وتثير في داخله الشجن.

في حين جسدت نجوى الشريف بأسلوبها التعبيري أنثى بمشهدية غنية بالمكونات المحببة إليها، فبيدها الكتاب وبجانبها القطة والورود وتتصاعد الألوان خلفها وصولاً إلى الأصفر في أعلى اللوحة المؤطرة بإطار، خطت عليه الأحرف وزخرفته بمنمنمات وأرقام مستوحاة من التراث، وعقبت على الحوارات التي ربطتها بالراحل حول الحروفية وتوظيف الزخارف ومفردات التراث، فكانت تستفيد من ملاحظاته عن لوحاتها مشيدة بتمكنه الفني ورأيه السديد.

أما سوسن محمدية فاختارت المصباح ليكون محور لوحتها مركزة على الإشباع اللوني بتمازج درجات الألوان الزيتية الحارة والباردة وبإيجاد تجانس بالخلفية بتدرجات  الأصفر والأزرق المخضر، وبيّنت بأن المصباح من تراثنا الإنساني وثمة خيط يربط بين التراث والراحل.

ليلى الأسطة جسدت مجموعة وجوه يائسة حزينة بأسلوب النحت النافر- الرولييف- بعنوان ” وجوه” اشتغلتها بمواد مختلفة موّظفة الكولاج في مواضع، ورأت أنها معبّرة عن مكنونات النفس والمشاعر الحزينة لفقد هذا الفنان النبيل وهو في قمة إبداعه.

ريم قبطان المعروفة بالحروفيات اختارت باقة ورود بأسلوب واقعي بألوان زيتية مركزة على الظل والضوء، ملونة بألوان الورد الأصفر والأحمر تخللتها الورود الليلكية، ومحاطة بمشهدية تعبيرية هادئة بالتناغم بين الستارة والنافذة المطلة على فضاء تدرجات الأزرق كمسحة حزينة وأهدتها إلى روح الراحل.

الفنان المغترب في ألمانيا سيف داوود أثنى على المعرض وتوقف عند بعض اللوحات مثل لوحة موفق مخول التي تدل على الجموع والمدينة وتخريب الحرب الإرهابية.

المهندسة مها محفوظ رئيسة فرع دمشق لاتحاد الفنانين التشكيليين أشادت بسمات الفنان الراحل الذي كان من خيرة الفنانين، وستبقى أعماله حاضرة، وتابعت عن تميزه بإدخال الحروفية إلى اللوحة وقدم رؤية بصرية للمتلقي بعمل ثقافي فكري فني مختلف، وأشادت بمعرضه الفردي المتميز في المركز الوطني للفنون البصرية، وأثنت على المعرض ككل الذي ضم قرابة أربعين فناناً بمشاركتهم بأعمال متنوعة وجميلة.

وختاماً مع الفنان غسان غانم أمين السر العام لاتحاد الفنانين التشكيليين في سورية فأشار إلى أن المشهد التشكيلي لا يقتصر على فنان، إنما هو مجموعة فنانين يعملون على تقديم فن جيد هادف راق على مستوى سورية والوطن العربي والعالم، مضيفاً: “الفنان عكاوي كان ضلعاً من أضلاع الفن التشكيلي، أقام معارض فردية وله مشاركات جماعية كثيرة، ونحن قمنا بدورنا كاتحاد فنانين تشكيليين لنرد شيئاً بسيطاً مما قدمه في حياته من خلال هذا المعرض بمشاركة الفنانين، وكانت جميع الأعمال ذات سوية جيدة وضمن مستوى معين، ولا نقبل أي لوحة أقل سوية من اللوحات الأخرى”، وفيما يتعلق بالجانب الفني للراحل فعقب بأنه فنان تشكيلي بالخط، بدأ خطاطاً ومن ثم أدخل الخط إلى التشكيل واللون.