دراساتصحيفة البعث

الانتخابات الحزبية الأخيرة نقطة تحوّل في تاريخ الحزب

د. حسام شعيب

“صحيح أن هذه الانتخابات ليست الأولى، إذ خُضنا انتخاباتٍ منذ بضع سنوات، لكن هذه الانتخابات تحديداً بتفاصيلها وبأنظمتها وبالحماس المرافق لها، وبالزخم الكبير الذي شهدناه، سأقول من دون مبالغة بأنها مفصل حقيقي في تاريخ الحزب”.. هذا اقتباس من كلمة الرفيق الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي، السيد الرئيس بشار الأسد، التي ألقاها خلال الاجتماع الموسّع للجنة المركزية في 4/5/2024، الذي تم خلاله انتخاب لجنة مركزية وقيادة مركزية جديدتين، في إطار عملية انتخابية بدأت مرحلتها الأولى في شباط الفائت، وتعدّ منعطفاً في تاريخ الحزب وقيمة مضافة لمسيرة تطوير الحزب.

انتخابات الرابع من أيار الجاري تُعدّ هي الأكبر والأوسع على مستوى الحزب، وتحديداً بعد إقرار دستور جديد للدولة السورية عام 2012، لم يعُد فيه البعث “قائداً للدولة والمجتمع”، بل “الحزب الحاكم”. وقد تجلّى ذلك بوضوح في الاجتماع الموسّع من خلال دعوة مراقبين يمثلون سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية، ومنظمات شعبية وشخصيات عسكرية لكنها بالمجمل غير مرشحة للانتخابات، وبالتالي حضورها بصفتها الاعتبارية التي تشغلها حالياً أو سابقاً.

هذه الانتخابات ستنعكس على إشراك القواعد الحزبية في انتخاب ممثلين للحزب في مجلس الشعب خلال الانتخابات القادمة، كما أن إشراك القواعد الحزبية سيستمر بعد انتهاء انتخابات مجلس الشعب لتشكيل الشُعب والفروع الحزبية في المرحلة القادمة.. وبذلك يتجه الحزب للابتعاد عن التعيين في المهام الحزبية، ليصبح هذه المرة انتخاب المستويات القيادية مباشراً، بما يواكب تطوّر الحزب ومواكبته للتحديات العالمية، وهو ما أشار إليه الرفيق الأمين العام في كلمته: “عندما نتحدث عن التطوير، وعندما نمارس عملية التطوير، فليس لأن هنالك ظروفاً خارجية استدعت ذلك، كما يحلو للبعض أن يحلل من وقتٍ لآخر، أو لأن هناك ضغوطاً، فالغرب يئس من الضغوط على سورية منذ سنوات طويلة، ولكننا نطوّر لأن التطوير حاجة حسية ووطنية وطبيعية”.

وبالتالي بدأ الحزب فعلياً من خلال تركيزه المكثف في الانتخابات على الهيكلية التنظيمية والبنيوية للحزب في تخطي عقود من البيروقراطية والتفرد بالقرار وهو ما يمنح الحزب قوة مضاعفة في تطبيق الديمقراطية والشراكة السياسية مع حلفائه من أحزاب الجبهة الوطنية، التي بات تغيير آلياتها وهيكلتها ضرورة ملحّة، كما أن صيغة التحالف مع حزب البعث بحاجة إلى تطوير ولاسيما بوجود أحزاب جديدة عدا أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية..

وعلاقة حزب البعث بالسلطة يجب أن تنبثق من رؤية الحزب السياسية والاقتصادية والاجتماعية باعتبار أنه الحزب «الحاكم» بموجب الأغلبية البرلمانية، وهو ما يُضفي على الحزب مسؤولية مضاعفة في ظل تفعيل التعددية السياسية في سورية، وهو أمر لا يدل على التراجع أو الضعف كما يراه البعض بل على القوة والتمكين في ظل منافسة ديمقراطية داخلية للحزب وشراكة مع الحكومة..

وهو ما أشار إليه الأمين العام في كلمته: «سياسات الحكومة يجب أن تنبثق من رؤية الحزب، من دون أن يلغي أحدهما الآخر، لأن هناك حديثاً من وقتٍ لآخر حول تراجع دور الحزب»، لافتاً إلى أن «تراجع دور الحزب يعني إضعافه، وهذا يحمي الحزب من إشكالات العمل الإجرائي اليومي الذي تقوم به الحكومة، وبالتالي تحميل الحزب مسؤوليات لا يحملها».

وإذا كانت الانتخابات الحزبية الأخيرة قد حملت مفاجآتٍ غير متوقعة على صعيد الشارع أولاً، والحزب ثانياً، وكان أهمها التغيير الشامل والأوسع في انتخاب «الرفاق» في اللجنة المركزية والقيادة المركزية للحزب، فإن المتابع والمطلع على فكر ورؤى الأمين العام للحزب السيد الرئيس بشار الأسد يدرك تماماً أن مشروع التحديث والتنمية، مشروع قائم منذ عام 2001، لكن هذا الهدف وقفت دونه معوقات ذاتية وموضوعية عدة، بعضها يتعلق بإمكانات سورية الاقتصادية ومستوى الكادر البشري وسيطرة الكادر الإداري، وبعضها يتعلق بالتحديات الخارجية التي واجهتها سورية، كالحصار الاقتصادي والعقوبات المفروضة عليها وخاصة من الدول الفاعلة والمؤثرة في المجال التكنولوجي والتطوير والتحديث الإداري، وكان الرئيس بشار الأسد في رأي كثير من المراقبين جاداً في سعيه هذا، وذلك من خلال تطبيق سياسة داخلية أكثر انفتاحاً وحداثة بقيادات جديدة، ذات رؤية عصرية وإعداد علمي رفيع المستوى، إلا أن الحرب على سورية حالت دون تطبيق هذا المشروع، ما جعل الإدارات المتتالية خلال السنوات الماضية تبدّل أولوياتها في حماية الدولة أكثر من تركيزها على عملية التنمية، ولا شك في أن الأمين العام للحزب الرئيس بشار الأسد يدرك أن مشروع التطوير من الصعوبة بمكان أن ينطلق من تلك الإدارات والمؤسسات المنشغلة أساساً بأولويات جديدة نتيجة الحرب على الدولة، كما أن التجربة التاريخية لحزب البعث أكدت أن جماهير البعث وقياداته اعتمدت بشكل كلي على رصيد البعث ورصيد أمينه العام، إذ إن المشروعية في شرقنا طالما ارتبطت بنوع المشروع الذي يحمله من يقود الحزب أو الدولة، وهو الهدف الاستراتيجي لقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي في توسيع دائرة التحديث والتطوير على مستوى القواعد الحزبية، بل على المستوى الشعبي الوطني مع الارتكاز على الأيديولوجيا القومية، ومن هنا كان التأكيد المستمر على صراع الأمة مع القِوى المعادية، وهو ما يؤكده الأمين العام للحزب بشكل مستمر ودائم.

إن التحديات التي تلوح في الأفق على الصعيدين الداخلي والخارجي، ومضاعفة حركة التطوير والتحديث وتفعيل دور الحزب على الصعيد الاجتماعي، وتحقيق المزيد من خطوات الانفتاح على الدولة السورية ومؤسساتها، وإعادة هيكلة الحزب والمؤسسات، وتوسيع حملة مكافحة الفساد حتى تطول كل المواقع والمفاصل، والواضح أن هذه الإجراءات لا يمكن أن تتم بين عشية وضحاها بل هي بحاجة إلى وقت طويل وإلى دعم شعبي واسع حتى تكون قادرة على إحداث التغيير المطلوب، وإذا كانت الأشهر الماضية قد شهدت بداية نقطة التحوّل الكبرى في تاريخ الحزب التي ستسهم في وضع الحزب على مرحلة جديدة فإنه لا تزال أمامه حزم من المشكلات والقضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية مع التأكيد أن العقائدية القومية هي عنوان الحزب.