البيئة الصحيحة بحاجة لمنظومة سليمة
د. علي الكلش
اشتملت كلمة الرفيق الأمين العام في اجتماع اللجنة المركزية الموسع الذي جرى في الخامس من أيار الجاري على جملة من القضايا المهمة على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومن هذه القضايا السعي للوصول إلى بيئة نزيهة وشفافة صالحة لتنفيذ المشاريع التنموية والإدارية الناجحة.
من المؤكد أنَّه لا حدَّ لمظاهر الانحرافات الإدارية والتنظيمية التي تعد تحدياً خطيراً في وجه أي مشروع للتنمية، ممّاً لا مناص من الوقوف عليه ومعالجته، بما يرفع سويَّة العمل الإداري والتنموي وينهض به نحو المأمول، بدءاً بتقديم إجابات للتساؤلات التي طرحها الرفيق الأمين العام، فقد جاء في كلمته أنَّه علينا أن نضع أجوبة لهذه التساؤلات لكي يتمكن الحزب من وضع رؤية، ولكي تتمكن الحكومة من وضع برامج تنفيذية لهذه الرؤية.
وكان الأمين العام أشار إلى ضرورة المبادرة وترك المماطلة أو التأجيل بحجج باتت معروفة مملولة، فأكَّد أنه علينا ألا نؤجل العمل بهذا الاتجاه، لأننا اعتدنا عبر سنوات طويلة قبل الحرب أن نستخدم جملة معروفة وهي (هلأ مو وقتها).. هذه الجملة التي تبقي الأحلام مجرد أحلام.
وقد جاء في كلمة الرفيق الأسد: هذا عنوان من العناوين الضرورية بالنسبة لحزب البعث لكنه بحاجة لبيئة صحيحة، والبيئة الصحيحة بحاجة لمنظومة سليمة، لأنه من دون المنظومة السليمة لا داعي لإضاعة الوقت ؛ لأننا لن نحقق أية نتيجة حقيقية.
ومن الواضح أنَّ الاهتمام بهذا الشَّأن ليس عاطفياً أو انتقامياً، بل هو حاجة تتطلبها الحياة المستقيمة في شتى دوائر الدولة ومفاصلها. وقد أوضح الرفيق الأمين العام في مثال يتَّسم بالواقعية والبعد عن اللهجة الخطابية أو الشِّعاراتيَّة إن صح التَّعبير؛ أنه لو كُلف الكادر الصحي في وزارة الصحة بكل طواقمها أن يذهب إلى مدينة كي تعالج الأوبئة المنتشرة فيها، بسبب هو عدم قيام البلديات بجمع القمامة، ونطلب منهم أن يعيدوا الوضع الصحي إلى الشكل الطبيعي سوف يقولون لنا لا يمكن أن نفعل أي شيء لأنه لا مشافي ولا أطباء ولا أدوية قادرة على مكافحة الأوبئة.. ابدؤوا بجمع القمامة.. هكذا يجب أن ننظر إلى العملية برمتها، لأنه إن لم نقم بجمع القمامة التي هي الخلل الإداري الموجود لدينا لا يمكن أن نصل إلى أيه نتيجة.
إنَّ البدء بالخلل الإداري وإصلاحه كفيل بتجفيف منابع الفساد ومن ثمَّ بانتهاء هذا الخلل/ الفساد، وهذا هو ما يمكن وصفه بالقوة الناعمة. القوَّة التي تتخذ الوقاية مفتاحاً لعلاج الآفات، ولعلَّ أركان السياسة الوقائية تتمثل برفع كفاءة الأجهزة الرقابية، وتأكيد أن كفاءة الأجهزة الرقابية لا تأتي من خلال قتل السلطة التقديرية التي يعطيها المشرع لرجال الإدارة عند قيامهم بعملهم، وإلا خلق الجمود ضمن الإدارة الذي يعد رأس الفساد.
وتتجلى هذه الخطوة على المستوى الوقائي من جهة ثانية في إطار توضيح وتبسيط الإجراءات والقوانين الإدارية، وزيادة درجة شفافيتها والتشدد في تطبيقها ومراقبتها من الأجهزة المعنية والمنظمة لعمل المؤسسات، إذ تعد الشفافية الإدارية من أهم الإجراءات الوقائية على الإطلاق، وتعني الشفافية الإدارية أن تكون المرافق والمؤسسات التي تدير الشأن العام واضحة تعكس ما يدور ويجري بداخلها، وعليه فإن الحق في الشفافية الإدارية والمالية يشمل مجموعة من الإجراءات الهادفة إلى تطوير وتحسين العلاقات بين الإدارة والأفراد، وخاصة الإجراءات المتعلقة برفع السرية الإدارية، والإجراءات التي تفرض على الإدارة إلتزاماً بالإبلاغ عن نشاطها عن طريق النشر، وعن طريق ما تقدمه للمواطنين من معلومات حيوية بما يسمح بمشاركتهم النشاط الإداري، حتى لا تسود حالة ذهنية لدى الأفراد والمجتمعات وتجد له الذرائع لاستمراره واتساع نطاقه في مناحي الحياة، وحتى نصل إلى ما نرنو إليه من نزاهة وشفافية في كل المستويات.
إنَّ الشفافية والحوار من أهمِّ ركائز هذه القوة النَّاعمة، وقد أشار الرفيق الأمين العام إلى ضرورة إطلاق حوار واسع على المستوى الوطني وعلى المستوى الحزبي، فقال: قد يقول البعض “كنا نتوقع أن نسمع من الأمين العام إجابات على هذه الأسئلة التي طرحها، لكن ما دمت أُعطيت إجابات الآن فهذا يعني أنني أقوم بقطع الطريق على النقاش”، مردفاً: وأنا هنا اليوم كي أطلق النقاش، لا كي أقطع الطريق على النقاش.. هذا أولاً، وتالياً، إن القضايا الكبرى التي تمس المواطنين لا تبنى على أمين عام، أو رئيس جمهورية، أو رئيس حكومة، أو قيادة حزب، أو حكومة.. هذه المواضيع بحاجة لإطلاق حوار واسع أولاً على المستوى الحزبي بكل مستوياته، وثانياً على المستوى الوطني، عندها يمكن لأي شخص أن يعطي رأيه ويتخذ القرار الصحيح.