على هامش القمة العربية
طلال ياسر الزعبي
لا شك أن الواقع الحالي الذي تشهده المنطقة من عدوان إسرائيلي صارخ على الشعب الفلسطيني، في قطاع غزة المحاصر، يفرض على الأمة العربية أعلى درجات التضامن فيما بينها، والتوافق حول الطريقة المثلى لكبح جماح العدوان الصهيوني المستمر على القطاع منذ أكثر من سبعة أشهر، حفاظاً على أرواح الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ الذين يتعرّضون للإبادة الجماعية بشكل يومي، فالمسألة هنا لا تتعلّق فقط بمصير القضية الفلسطينية، بكل ما تمثّله من أهمية للعالمين العربي والإسلامي، بل إن الأمر يرتبط بالدرجة الأولى بالأمن القومي العربي الذي أصبح مستباحاً بفعل السكوت المزمن عن ممارسات “إسرائيل”، ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية، في المنطقة.
هذا الأمن القومي كان الأساس الذي انطلقت منه جميع المبادرات العربية التي نادت بتحقيق التضامن العربي الكامل، وسورية التي هي عضو مؤسّس في الجامعة العربية كانت سبّاقة دائماً في الدعوة إلى توحيد الصف العربي وتعزيز التعاون في مواجهة كل ما يعتري الأمة العربية من تحدّيات، وصولاً إلى تحقيق التطوّر والاستقرار والتنمية والرخاء للشعب العربي برمّته، ومنع محاولات التدخل الخارجي في صفوف الأمة.
وانطلاقاً من الظروف الصعبة التي تمرّ بها الأمة العربية الآن، وحالة الوهن والضعف وانعدام الأمن الاقتصادي لدى أغلبية الدول العربية، لا بدّ من وقفة تاريخية يقفها كل من ينادي بضرورة التكافل والتضامن من الزعماء العرب، لأن الحديث هنا أصبح حديثاً وجودياً، فإما أن نكون حاضرين ومؤثّرين في المرحلة الحالية التي يشهد فيها العالم أجمع ولادة نظام عالمي جديد متعدّد الأقطاب، ونحجز لنا مقعداً في هذا العالم، وإما أن نحكم على بلادنا أن تعيش الحالة نفسها من التبعية الاقتصادية والسياسية التي عاشتها في النظام العالمي الذي بات قاب قوسين أو أدنى من الأفول.
لذلك، ليس صحيحاً أن المعركة التي نخوضها هي معركة آنية وقتية تنتهي بانتهاء أصوات القنابل والمدافع، بل هي معركة وجودية مستمرة يتوقف عليها مصير الأمة بأكملها، لأن الغرب المهزوم والعاجز عملياً الآن عن الإبقاء على نظامه المتهالك “القائم على القواعد”، والاستمرار في هيمنته على مقدّرات الأمم والشعوب، يسعى ليس فقط للعودة إلى الواجهة، بل لإشراك منطقتنا العربية برمّتها في الهزيمة المنتظرة له، وبالتالي علينا نحن العرب أن نبحث عن مصلحتنا التي تقتضي الآن الانحياز إلى المحور القوي الذي تمثّله القوى العالمية الصاعدة كروسيا والصين وإيران والهند وغيرها من دول الجنوب، وهذا الأمر يفرض علينا جميعاً الابتعاد عن الارتباط بجميع الكيانات التي تعيدنا إلى المربّع الأول.
الفرصة الآن مواتية جداً للعرب أن يحجزوا لهم مقعداً في العالم الجديد، ومثل هذه الفرصة لن تتكرّر مرة أخرى، وهو ما يدركه بالتأكيد القادة العرب المجتمعين في قمّة المنامة، بحيث تشكل الدول العربية قطباً مؤثّراً في العالم الجديد المتعدّد الأقطاب الذي يتشكّل الآن فوق ركام الحضارة الغربية الزائفة.