فلسطين .. قضية “البعث” الأولى
بشار محي الدين المحمد
لا يمكن حصر ميلاد “البعث” بتاريخ إعلان ميثاقه، لأنه ببساطة حركة وطنية قومية نابعة من آمال وآلام الجماهير في سورية وفلسطين، ولدى الأحرار والشرفاء في كل مكان من هذا العالم، ولذلك تبنّى الحزب مذ نشأته الأولى في جميع إيديولوجياته القضية المركزية، فكانت عاملاً من عوامل تعزيز قوة “البعث” وبرهاناً على صدق انتمائه المتبادل مع جماهيره، وتطلعاتهم الوطنية والقومية والإنسانية الراسخة في ضميرهم الواحد، الرافض للخيانة وبيع الأوطان.
واليوم فإن المتغيرات الدولية المتسارعة منذ السابع من تشرين الأول الماضي تثبت في كل لحظة صوابية موقف الحزب ونهجه الثابت على مرّ العقود، فقضية فلسطين لم تعد قضية “البعث” والمنطقة، بل أصبحت قضية العالم الأولى بلا منازع، وبشكل لا مثيل له منذ عام ١٩٤٨، بعد أن توهم بعض اليائسين بأن القضية تم دفنها في غياهب صفقات الاحتيال الصهيو- أمريكية الهادفة لتشويه الكيان السياسي والثقافي للعرب، وتطبيق نظريات مهندس سياستهم كيسنجر الذي رأى أنه من الضروري خلق نزاعات خفيفة في العالم- كالتي توجد في الأرض المحتلة- وإطالة أمدها مع الإمساك بخيوطها وإدارتها لإعطاء الإدارة الأمريكية “شرعية التدخل” دون أن ينفجر ذاك الصراع أو يتم حله، والتدويل لكل خلاف يحدث في المنطقة بهدف إلغاء دور المؤسسات الوطنية، ومعها دور الشعوب، لكن الواقع أثبت أن كل تلك المخططات غرقت في “طوفان الحقيقة”.
لقد حافظ النضال البعثي المتلاقي مع نضال المقاومة في المنطقة ونضالات كل حركات التحرّر في العالم على زخمه واتقاده، فما حدث مؤخراً لم يحوّل فلسطين بشكل عام إلى قوة إقليمية، بل إلى قوة عالمية حقيقية فرضت نفسها اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، وما كان يردّده “البعث” وشرفاء العرب بالأمس، باتت تردّده كل شعوب العالم، بما فيهم طلاب الجامعات الأمريكية والأوروبية الذين قوبلوا بالعنف والاعتقال من أنظمة الغرب التي سبق وأن عنّفت شارعها منذ عقود إبان حرب فيتنام، وتوقفت عن ذلك كما أشار الرفيق الأمين العام للحزب الدكتور بشار الأسد، في خطابه أمام اجتماع اللجنة المركزية الموسع، عندما ظنت تلك الأنظمة أنها نجحت في تدجين أجيالها التي كانت تعبّر عن كره طبقتها السياسية، لكن سرعان ما كشفت أزمات الحداثة الغربية والليبرالية الحديثة هشاشة ذلك التدجين، وخاصةً مع تداعيات أزمة “كورونا” وما تبعها من حرب غربية ضدّ روسيا، وليس أخيراً إبان الإبادة في غزة، حيث نوّه الرفيق الأسد بدور هذه القضية كقضية مصداقية هزّت عرش كل من كذب على شعبه وتاجر بها، وعلى رأسهم رجل أوروبا المريض- إردوغان- الذي مُني بخسائر انتخابية فادحة عندما كشف شعبه مدى نفاقه وميله منذ البداية إلى إدارة الصراع مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، في وقت يقدّم لهم كل ما يؤمر به، آملاً في تثبيت كرسيه المهزوز، والحفاظ على اقتصاده المنهار بسبب دوره القبيح الذي لعبه ويلبعه خدمةً لمشغليه في الغرب كرجل أوروبا المريض الحالم بـ”الإمبراطورية”.
بالتأكيد سيتابع “البعث” مع محور المقاومة وكل الشرفاء في العالم الدفاع عن قضية فلسطين، وكل قضايا هذا العالم حتى تصفيته من شوائب المعايير غير الأخلاقية وبقايا نظام “القواعد” الغربية الزائفة.