في اليوم العالمي للمتاحف.. متاحف سورية فُجرت وأخرى سُرقت ومئات آلاف القطع فُقدت؟!
دمشق _ لينا عدره
وفق سجلات المديرية العامة للآثار والمتاحف، بلغ عدد القطع الأثرية مجهولة المصير في متحف الرقة 5885 قطعة، وفي متحف إدلب 9494، لتُسَجِّل مفقودات متحف تدمر 1628 قطعة، وهو غيضٌ من فيض، خاصةً وأن ما فُقِدَ أكثر بكثير تبعاً لما ذكره الأستاذ محمد نذير عوض، المدير العام للآثار والمتاحف في حديثٍ لـ “البعث” بمناسبة قرب حلول اليوم العالمي للمتاحف، الذي يصادف اليوم.
عوض أشار إلى أن حصر الأضرار في الوقت الحالي غير ممكن، خاصةً وأن حجم الكارثة مهول والخسائر لا تقدر بثمن، حيث أدت الحرب لخسارة كبيرة في المتاحف والمواقع الأثرية، وما حدث في تدمر الأثرية مثالٌ صارخ على التدمير الممنهج، إضافة لأعمال التنقيب السري ما أدى إلى فقدان مئات آلاف القطع الأثرية التي غادرت البلاد وعبرت إلى السوق السوداء من سورية، وأكثرها ما سُرِقَ من التنقيب السري عبر عصابات الاتجار بالآثار، منوهاً بأن هناك معلومات عن فرق أتت لبعض التلال الأثرية، يرافقها أشخاص ذوو خبرة معروفون من المتوقع أنهم كانوا ممن عملوا في بعض البعثات، تواجدوا في أماكن خارجة عن سلطة الدولة، علماً – يضيف عوض – بأننا لا نشكك بكل البعثات لوجود علاقات صداقة مع معظمها، إلا أن ما تم تزويدنا به من معلومات يؤكد أن وجوهم مألوفة، أي أن بعضهم عمل هنا سابقاً، وتواجدهم مع تلك العصابات وتنقيبهم في سويات أثرية معينة من التلال الأثرية يؤكد معرفتهم التامة بوجود ما هو مهم فيها، ما يمكنهم من الوصول إليه، منوهاً بأن أبرز تلك العمليات حدثت في مواقع استثنائية وغاية في الأهمية، وتأتي في مصافي المواقع العالمية، كـ أفاميا وإيبلا وماري.
ولفت عوض إلى غياب أي معلومة عن متحف إدلب، الذي يعتبر من أهم المتاحف في سورية، مشيراً إلى ما أصاب متحف تدمر من نهبٍ جزئي وسرقة لكل القطع المهمة، وفقدان لقوس النصر وجزء من المسرح والمصليبية، والكثير من المدافن البرجية وتدمير معبد بل وبعلشمين، مذكراً بأنه تم نقل حوالي 850 قطعة أثرية من المتحف حينها، إضافة إلى تفجير متحف الرقة ونقل القطع الأثرية فيه إلى البنك المركزي، ليتم سرقتها بعد ذلك، وسرقة كل الرُّقُم التي كانت معروضة في متحف إيبلا.
وأكد عوض وصول معلومات عن ظهور بعض القطع في السوق السوداء في أوروبة، وأن العمل جار لمتابعة الملف للوصول لهذه القطع أينما ظهرت بغية استردادها، مبيناً أن نسب التعدي على المواقع الأثرية والتنقيب السري والقطع المفقودة والمنهوبة وصلت لأرقام مخيفة، وأن الجهات المعنية لم تتمكن من تقدير حجم الضرر بعد، خاصةً تلك الناجمة عن أعمال التنقيب السري. وقال أن ملف استرداد القطع المنهوبة يتم على مستويين: الأول داخلي وطني يسير بشكل جيد خاصةً بعد أن تمكنت المديرية عبر سنوات الحرب من استرداد أكثر من 40 ألف قطعة تم تسليمها للمديرية عبر السلطات الأمنية، والكثير منها كان ينتظر على الحدود للتهريب، بعضه مزور وبعضه صحيح، أما على المستوى الخارجي، وعلى الرغم من أن عدد القطع التي تم استردادها بسيط، إلا أن الجهات المعينة تبذل جهوداً كبيرة لاسترداد كل ما يمكن استرداده، حيث تمكّنا من استرداد الساكف الحوراني بعد ظهوره في أوروبة وتدخل المتحف العماني الذي سلمه وأعاده للمتحف الوطني، إضافة لثلاثة قطع في جنيف تم استعادتها وإعادتها للمتحف الوطني، إضافة إلى إيقاف بيع بعض القطع، محدداً عدد القطع التي تمت استعادتها من لبنان أصولاً بلغ حوالي 90 قطعة، إضافةً لقيام مواطنين سوريين بشراء قطع في لبنان وتسليمها للمتحف الوطني، كذلك الأمر في إيطاليا وكندا التي تلكأت بحجج مختلفة، منها أمنية، بإعادة بعض القطع الأثرية التي كانت ستُعرض بموجب اتفاقية، ليتكفل مواطن سوري هناك بكل ما يتعلق من تكاليف مالية ومراجعة للحكومة الكندية، وإعادتها على نفقته الخاصة إلى سورية.
ولا يقلل عوض من الصعوبات التي تتخللها إعادة القطع التي أصبحت خارج الحدود، خاصةً تلك التي نهبت بفعل التنقيب السري كونها غير موثقة، مقابل تلك الموثقة، خاصةً وأن عدد القطع المنهوبة يفوق كثيراً تلك التي نهبت من المتاحف، إضافة إإلى أمر آخر مهم يتعلق بآلية التعامل، فالتعامل هنا مع عصابات وسوق اتجار مدعوم، وكيانات تمتلك قدرة مالية كبيرة جداً، وربما سياسية، ما يمكنها من تزوير الوثائق أو إيجاد ملاذات آمنة لإخفاء تلك القطع لفترات زمنية تمتد لعشرات السنين، لإظهارها لاحقاً.
ولفت عوض إلى الجهود المبذولة من قبل وزارة الثقافة لمتابعة ملف الآثار وتدارك ما يمكن تداركه والتنسيق مع مختلف الجهات الداخلية كالأمانة السورية للتنمية وشبكة الآغا خان ووزارة الخارجية والمغتربين وغيرها من الجهات الخارجية، بما فيها الجانب العماني، لتجاوز التداعيات التي أصابت قطاع الآثار، مشيراً إلى أثر العقوبات والحصار أثر كثيراً على عمليات الترميم ومنع من استيراد أجهزة التصوير عالية الدقة والدرونات والمواد المستخدمة في الترميم، إضافة إلى هجرة الخبرات والحرفيين، والنقص في الخبرات والموظفين، وتراجع عمل الجهات المعنية في كثيرٍ من المساحات التي كانت تعمل عليها، إضافة لتوقف علاقاتها مع الكثير من المؤسسات الدولية.
ونوه عوض بأعمال الترميم التي جرت في مدينة حلب، والتي مكّنت، بفضل تعاون مختلف الجهات، وعلى رأسها الأمانة السورية للتنمية، من إعادة الألق لأسواق المدينة، على الرغم مما أصابها من تدمير، خاصةً وأن حلب مسجلة على لائحة التراث العالمي بأسواقها ومبانيها التراثية وما فيها من بيمارستانات ومدارس وخانات، حيث تم ترميم قسم كبير منها. وأيضاً هناك أعمال الترميم في تدمر والتي تمت بخبرات وطنية، وبالتعاون مع اليونسكو، ما يعطي الدافع والأمل لإعادة كل ما يمكن إعادته، خاصةً وأن الهدف كان تدمير الهوية والتراث السوريين، إضافة لتدمير الاقتصاد لا سيما وأن الكثير من تلك المواقع الأثرية كانت مصدر دخل للدولة.