انتفاضة الجامعات الغربية
هيفاء علي
تشهد الجامعات في العديد من الولايات الأمريكية حالة من الاضطرابات والاحتجاجات الداعمة للمقاومة الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني، على الرغم من القمع البوليسي الشديد. وقد انتشرت الديناميكية في كندا، ثم انتشرت بسرعة كبيرة في الدول الأوروبية مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وإيرلندا والدنمارك وبلجيكا وألمانيا وهولندا وبريطانيا وحتى سويسرا، ما أثار استياءً كبيراً لدى سلطات البلدان المعنية، كما أن هناك حديثاً عن انضمام دول مثل كوريا الجنوبية واليابان حيث بدأت تتشكل الاحتجاجات الأكاديمية.
وعلى الرغم من الدعم الكبير الذي تقدّمه القوى الغربية لنظام حكومة الاحتلال الصهيوني الخارجة عن القانون، اهتز هذا النظام كما لم يحدث من قبل، إلى حدّ زعزعة استدامته. قطاع غزة الذي تبلغ مساحته 365 كيلومتراً مربعاً في أقصى جنوب غرب فلسطين المحتلة، على البحر الأبيض المتوسط، ويسكنه حوالي 2.3 مليون فرد ليس لديهم مكان يفرّون إليه أو يحتمون به، يتعرّض للقصف ليلاً ونهاراً، بينما يمثل نظام الفصل العنصري دور الضحية، وفقاً لما تسوّقه وسائل الإعلام الغربية الشريكة في سفك الدم الفلسطيني، التي جعلت المقاومة الفلسطينية هي الجلاد.
جميع وسائل الإعلام هذه تجاهلت عقوداً من السرقات والقتل والاغتيالات والدمار و”الفظائع” المتعدّدة والمتنوعة التي تمّت ممارستها دون أي رادع أخلاقي أو قانوني، ودون أن يتمرّد أحد -باستثناء عدد قليل من الناشطين الذين لم يستمع إليهم أحد – لإجبار سلطات الاحتلال الإسرائيلية على وقف الإبادة الجماعية البطيئة التي بدأت منذ 75 عاماً ضد الشعب الفلسطيني.
في هذه الصورة المشؤومة للتخلي عن شعب شهيد ونسيانه، قليلون هم الذين يستطيعون المطالبة بأي شرف وكرامة، الجميع أساتذة في التواصل اللفظي، وتلقين العبر والدروس، والتعبير عن قلقهم واستنكارهم، دون أدنى أمل في إنصاف ضحايا الاحتلال الوحشي الذي تم تنفيذه وصقله على مر السنين.
ولم يتحلّ أحد بأي شجاعة ليقول “أوقفوا” هذا المشروع الإجرامي، حيث وجد الفلسطينيون أنفسهم، من خلال سلسلة من العناصر الخارجة عن سيطرتهم، متروكين لمصيرهم. وبالتأكيد، محرك رقعة الشطرنج القاتلة هذه هو الولايات المتحدة الأمريكية التي تقدّمت ببيادقها في منطقة غنية بالمواد الهيدروكربونية الأساسية لمواصلة تطوّرها وتأكيد هيمنتها على جميع القارات.
لعقود من الزمن، كان هذا “النظام” الظالم الذي يترأس مصير الأمم، موضع استنكار من أقلية من الأصوات المتنوعة، ولكنها تنبع دائماً من أشخاص احتفظوا بإحساس القيم ولم يضحوا بنزاهتهم من أجل “الكل في الكل”. وعلى مدى عقود، تم قمع المظاهرات الشعبية المندّدة بهذا “النظام”، وفي بعض الأحيان تم تفريقها بوحشية من البلطجية الذين يخدمون الطبقة الحاكمة. إن الضربة القاصمة التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في عش الدبابير الصهيوني تفتح الطريق أمام تحوّل في هذا النظام العالمي الظالم، وهذا ما يجعل مستشاري الغرب العالمي، يحبسون أنفاسهم ويبقون متحفظين -في حين أنهم متواطئون – في انتظار معرفة من سينتصر في هذه المواجهة الجهنمية.
“حركة المواطن الفلسطيني” لدعم المقاومة الفلسطينية التي تضم ناشطين من مختلف الدول الأوروبية، جاء في أحد بياناتها أن هذا العدوان الوحشي على قطاع غزة أدّى إلى انهيار هذا النظام الجائر لمصلحة نظام جديد حيث الدول الناشئة وشعوبها سيجدون أخيراً مكانهم الصحيح. لذلك دعت شريحة الشباب لأخذ الأمر على محمل الجد، لكي تواصل دعمها للمقاومة الفلسطينية، ولا تسمح لنفسها بأن “تشتريها” الطبقات الحاكمة من خلال المناورات التي تستطيع تنفيذها.
كذلك دعت إلى ضرورة أن تواصل الجامعات أعمالها التوعوية وأن تنضمّ إليها النقابات والمنظمات الأخرى التي تمتلك أدواتٍ أساسية لشل هذا “النظام” المخزي الذي لا يستفيد منه إلا القليل على حساب الكثيرين. ولتكن كل حركات المقاومة هذه حذرة ودقيقة من القدرة الضارة لـ”النظام” الذي لن يتورّع عن التسلل إليها في محاولة لتقسيمها، كما يحدث غالباً. وأكدت أن هذه الاحتجاجات الطلابية تجدّد دعمها للمقاومة الفلسطينية دون تحفظ، وهي وحدها تملك كل السلطة والشرعية في اختيار استراتيجيتها.
ولفتت إلى أنه في فلسطين المحتلة، لابدّ أن يأتي اليوم الذي تتحقق فيه العدالة بإنصاف الشعب الفلسطيني، ومحاسبة قادة سلطات الاحتلال المجرمين، الذين اعتادوا على الإفلات من العقاب على مر السنين بسبب الدعم الأمريكي والغربي غير المشروط وغير المحدود لهم.