الاقتتال في السودان.. خطط مستمرة لتفتيته
تقرير – سنان حسن
بعد عام ونيف من الاقتتال الدامي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، يبدو أن المخطط باتجاه تقسيم السودان يسير كما هو مرسوم له، فالأطراف المتصارعة تضع مصالحها الضيقة، قبل أي اعتبار وترفض الانصياع إلى صوت العقل وإيقاف القتال ووقف النكبة الإنسانية التي تحل بهذا البلد الكبير، فكل الآمال بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار وتحقيق هدنة مستدامة، اصطدمت بتجدّد القتال في عاصمة إقليم دارفور الاستراتيجي الفاشر، بعد هجوم من قوات الدعم السريع عليها، ما يعني أن السيطرة على المدينة التي تعد آخر معاقل الجيش السوداني ستمهد الطريق نحو تقسيم جديد للبلاد بعد خسارة جنوب السودان في 2011.
في الخامس عشر من نيسان 2023 اندلعت مواجهات بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني بعد اتهامات بين الطرفين عن محاولة كل فريق الاستئثار بالسلطة لوحده، فشهدت العاصمة الخرطوم مواجهات عنيفة سرعان ما انتقلت إلى مدن أخرى، ما أدخل السودان في فوضى حرب أهلية جديدة، وعلى الرغم من المحاولات العربية التي قادتها المملكة العربية السعودية واستضافتها لجولات طويلة من المفاوضات بين الجانبين وتوقيع اتفاق هدنة في جدّة، إلا أن الأطراف لم تلتزم بما تم التوصل إليه وتجدّد القتال، حتى وصلنا إلى الهجوم الحالي في دارفور، حيث هدّد رئيس قوات الدعم السريع بإقامة إدارة مدنية مستقلة في الإقليم في حال أقدم رئيس المجلس السيادي على إقامة إدارة مدنية في مدينة بورتسودان، ما يعني أن الأمور قابلة للمزيد من التفجر، وقد نكون بالفعل أمام بوادر انفصالية جديدة، فلماذا كل هذا الاستهداف للسودان ومن المستفيد؟.
يتحصل السودان على موقع جيوسياسي مهم فهو صلة الوصل بين الساحل والداخل الإفريقي، إضافة إلى مقدرات طبيعة غير مسبوقة في وسط القارة من مياه وثروات زراعية وحيوانية كبيرة، ما جعله محط أنظار الكثير من الدول الطامعة بالسيطرة عليه والاستفادة من كل مقدّراته، وكانت أبرز هذه الأطماع من العدو الإسرائيلي الذي سخر كل إمكاناته لتفكيكه وإضعافه من بوابة الحرب الأهلية، فكان السودان جزء من مخططات أمريكية أقرّها الكونغرس لتقسيم المنطقة العربية في عام 1983 خطة “برنار لويس”، التي تهدف إلى تقسيم السودان إلى أربع دول (النوبة ودولة الشمال، ودولة الجنوب، ودولة دارفور)، فبدأ المشروع من الجنوب والمطالبة بالاستقلال والتي انتهت بمنحه استقلاله بعد استفتاء شهير، حيث أعلن عن الانفصال رسمياً في 9 تموز 2011، فكان كيان الاحتلال أول دولة تعترف به بعد يوم واحد فقط من إعلان استقلاله، ما يؤكد الأهداف والمشاريع المبيتة للعدو في تلك المنطقة.
طبعاً المشروع لم يتوقف عند الجنوب، بل تفجرت أزمة جديدة من بوابة إقليم دارفور الغني بالذهب والألماس والنفط، فاندلعت حرب أهلية عرقية بين مكونات الشعب السوداني راح ضحيتها ألاف الأبرياء، تلتها الكثير من الاضطرابات والفوضى المستمرة حتى اليوم، وعلى أجندة المتربصين به العديد من السيناريوهات التي تفضي إلى نفس المشروع الذي وضعه برنار لويس، ما يعني أن المشروع مستمر ويتمدّد، فهل يصحو قادة السودان للمحافظة على ما تبقى من بلدهم، أم نشهد قريباً ولادة دولة أو دويلات جديدة من رحم السودان الكبير؟.