غالب سالم من رواد الفن التشكيلي في حلب
فيصل خرتش
ترك الفنان غالب سالم أثراً واضحاً في مضمار الفن التشكيلي بمدينة حلب، وساهم في تطوير بثّ القيم التي ساهمت في تطوير الفنون في هذه المدينة، وتكمن أهميته باعتباره الأستاذ الأول لعدد من الفنانين المبرزين، أمثال فاتح المدرس ولؤي كيالي ووحيد إستنبولي وطالب يازجي، وغيرهم.
ولد الفنان غالب سالم في مدينة حلب عام 1910، وتتلمذ على يد الفنان منيب النقشبندي أثناء الدراسة في التجهيز الأولى، وسمع أول مرة باسم “مايكل أنجلو” و”ليوناردو دافنشي”، من مدرّس الرسم، وحين أنهى الدراسة الثانوية، غادر سورية لكي يدرس الفنون في إيطاليا، وفي هذه الفترة لم تكن مادة الفنون تحظى بأي اعتبار اجتماعي في هذا البلد، وفي روما تتلمذ على أيدي فنانين كبار في أكاديمية الفنون، وقد تخرّج منها وعاد إلى الوطن ليعمل في مهنة التدريس فأبدى نشاطاً في نقل خبرته إلى تلاميذه وشجّعهم على ممارسة هذا النشاط، وقدّم لهم الكتاب الأول “الموجز في تاريخ الفنون” وذلك عام 1945.
ساهم في تدريس مادة الفنون بدار المعلمين، وحين أنشئت كلية الهندسة عام 1947 أصبح المدرس الأول لمادة الفنون فيها، وعمل على ترسيخ مادة الرسم كمادة رئيسية لها أهميتها، إلى جانب بقية المواد المهمّة، وقدّم دراسات في مادة المنظور ومبادئ الرسم، كما أعدّ معرضاً لأعمال الطلاب في عام 1949 كان الأول من نوعه في المدينة، وفي عام 1958 عيّن الفنان غالب سالم مفتشاً لمادة التربية الفنية في المنطقة الشمالية -حلب وما جاورها- واستمر في عمله حتى عام 1965 وألف خلالها عدداً من الكراسات وشارك في العديد من المعارض الرسمية إلى أن أحيل إلى التقاعد عام 1973.
لم يتمكّن الفنان غالب سالم من أخذ الاعتراف بشهادته إلا بعد الاستقلال، وفي ذلك يقول: “في الصيف كنت أذهب إلى دمشق لأعمل مع زملائي الذين تخرّجوا معي من روما لكي يعترفوا بشهادتنا، لكن فرنسا أخذتها العزّة بالإثم، رفضت اعتبار شهادتنا إجازة جامعية، مع أن عدد سني الدراسة الأكاديمية أربع سنوات، وشهادة الليسانس ثلاث سنوات، ولم يتمّ الاعتراف بشهاداتنا إلا في عام 1947”.
لم يكن الفنان غالب سالم يبدي نشاطاً فنياً يذكر، واقتصر في أعماله على بعض اللوحات الفنية ساهم فيها في عدد من المعارض في الخمسينيات من القرن الماضي، تدور حول بعض الموضوعات التسجيلية لبعض الأحياء الشعبية للمدينة القديمة، كما رسم قلعة حلب، ورسم إبراهيم هنانو، صوّره وقد امتطى جواده وحمل سلاحه وانطلق يقارع الاستعمار.
لقد جاءت معظم أعماله ضمن صياغة تقليدية تظهر التأثيرات الأكاديمية، وإذا كانت ثمّة أهمية خاصة في أعماله، فإنها تأتي من المواضيع التي رسمها أثناء الاحتلال الفرنسي، كما في لوحة الشهداء، وكان لتأسيسه البدايات الفنية وتعريف الطلاب بالأساليب والاتجاهات الفنية والتقنيات المعاصرة التي كان لها أثر كبير في إبداعات الفنانين الذين احتلوا مركز الصدارة فيما بعد، وقد عرّف الفنانين بفن الحفر الذي لم يكن معروفاً من قبل في سورية.
مارس الفنان غالب سالم دوراً ريادياً في النقد التشكيلي، وذلك من خلال الكتابات والندوات التي كان يتحدث فيها عن إنتاج الفنانين الهواة وما الذي دفعهم إلى فهم طبيعة هذا الفن ومتابعة دراسته، وقد كان يكتب في عدد من الصحف السورية، “الشباب- الأسبوع السياسي” والمجلات المصرية “الرسالة- الكاتب” والخليجية “الفيصل- الدوحة”.
لقد بدأ في التأليف عام 1945 وقدّم كتابه “الموجز في تاريخ الفنون” الذي أشرنا إليه، ثم ألّف كتاباً آخر هو “رسالة في التصوير الزيتي” عام 1961 وحول نظرته النقدية، يقول: “إنني أعدّ النقد مرآة تعكس العمل الفني بكلّ ما هو موجب وما هو سالب، لهذا ينبغي على الناقد أن يتحلّى بأخلاق الأب وصفات الصديق، ويجب أن يكون موجهاً لا مخرّباً”.
عاش الفنان غالب سالم بقية حياته منعزلاً عن الوسط الفني، بعد أن أحيل إلى التقاعد، متفرغاً للمطالعة والكتابة في الفنون والأمثال الحلبية والبحوث اللغوية، بعد أن كان محور الحياة الفنية في المدينة مدة أربعين سنة، وقد أقامت المحافظة حفلاً تكريمياً له وعُدّ أحد رواد الفن الحديث، كما كرّمه تلاميذه الفنانون بمعرض فني أقاموه تحية له قبل وفاته في عام 1985.