المواطن ليس مسؤولاً عن أزمة الكهرباء!!
علي عبود
حسب الأرقام التي كشف عنها وزير الكهرباء مؤخراً فإن الأسرة السورية تتحمّل منفردة التسبّب بأزمة الكهرباء على مدى السنوات الماضية لأنها تُفرط باستهلاكها اليومي مقارنة بدول الجوار!.
وحسب أرقام الوزير التي أوضح أنه جلبها من دول الجوار، فإن معدل استهلاك الأسرة السورية الشهري “ألف كيلو” من الكهرباء لا يقلّ عن خمسة أضعاف عن مثيلتها الأسرة الأردنية “180 كيلو” والمصرية “200 كيلو”!!.
وعندما يرى الوزير أن مبرّر هذا الفارق الكبير “اعتقاد الأسرة السورية أن الكهرباء خدمة مجانية فلا تنتبه لإنارة المنزل أو التدفئة أو الأجهزة الكهربائية التي يتمّ شراؤها”.. فكأنّه يبرّر رفع أسعار الكيلو واط ساعي، لأن الأسرة السورية هي المسؤولة عن زيادة ساعات التقنين بسبب استهلاكها للكهرباء “المجانية”!!.
وبما أننا أمام حكومة شغلها الشاغل “رفع” الأسعار، وليس زيادة الإنتاج، فلم نُفاجأ برفع أسعار الكهرباء على الفعاليات الصناعية أيضاً، بعد رفعها لتعرفة الكهرباء المنزلية، بذريعة أنها مدعومة جداً، ولا يمكنها تحمّل “الخسائر” الناجمة عن دعم الطاقة!.
ومهما تكن خلفيات أو أسباب المقارنة بين استهلاك الأسر السورية للكهرباء مع مثيلتها في دول الجوار، فإن السؤال: هل الأسرة السورية أو الصناعي مسؤول عن أزمة الكهرباء؟.
لنترك جانباً الاستهلاك المجاني “السرقات”، وكذلك الضياع في الشبكات المرتفع جداً بسبب اهترائها وضعف الصيانات الدورية والتي لا تقلّ نسبتها عن 29%، ولنسأل: لماذا يعتمد المواطن على الكهرباء على الرغم من انقطاعها الطويل جداً جداً جداً مقارنة بدول الجوار، باستثناء لبنان الذي لم يذكره الوزير في مقارنته الرقمية؟.
الملفت، أن تكتفي الأسرة الأردنية بـ 6 كيلو وات يومياً والأسرة المصرية بأقل من 6.7 كيلو يومياً، وهما لا يعانيان من انقطاع الكهرباء كما هي الحال في سورية!!.
وبالطبع لم يجب وزير الكهرباء عن السؤال: لماذا الاستهلاك في الأردن ومصر منخفض، وفي سورية مرتفع؟.
والحق يُقال أن الوزير أجاب مواربة بقوله إن الأسرة السورية تستخدم الكهرباء للإنارة والتدفئة والأجهزة الكهربائية، وتحديداً للطبخ… إلخ.
حسناً، كي تكون مقارنة وزير الكهرباء دقيقة وعلمية، كان يجب أن يجيب عن سؤال مهمّ جداً: هل تعاني الأسرة الأردنية أو المصرية بالحصول على حاجتها من المازوت للتدفئة، أو الغاز للطبخ؟.
ولم يجب الوزير أيضاً عن سؤال دقيق جداً جداً: ما حصة الأسرة في كلّ من الأردن ومصر من المازوت والغاز مقارنة بالأسرة السورية؟.
تصوّروا حال الأسرة السورية في حال زادت وزارة الكهرباء ساعات القطع إلى 22 أو 23 مقابل ساعة أو ساعتي وصل، مع بقاء مدة رسالة الغاز أكثر من 90 يوماً و50 ليتر مازوت سنوياً!!.
وإذا كانت الفعاليات الصناعية والتجارية والخدمية والأسر المصرية تتحدث عن أزمة كهرباء خانقة هذه الأيام بسبب قطعها ساعتين يومياً فقط، فهل يجوز التحدث عندنا عن أزمة أم عن كارثة “كهربائية”؟.
وبدلاً من التركيز على مقارنة استهلاك الكهرباء مع دول الجوار، لماذا لا تجري الحكومة دراسة عن الخسائر التي يتسبّب بها التقنين في الشركات الإنتاجية في القطاعين العام والخاص؟.
أكثر من ذلك، إن تقنين توزيع الغاز والمازوت دفع بآلاف المواطنين إلى بدائل طبيعية كأشجار الحراج والغابات من جهة، وانتعاش سوق سوداء تديرها مافيات مدعومة من متنفذين تشفط يومياً المليارات إلى خزائنها على حساب خزينة الدولة، والذي ينعكس عجزاً في الموازنة وعجزاً في زيادة أجور العاملين!.
ومع أن الصناعيين يطالبون منذ أسابيع بدعم الإنتاج كهربائياً، فإن جواب الحكومة لهم: مازلنا نبيعكم الكهرباء المدعومة!.
لا يهمّ ما تسبّبه إحراءات الحكومة برفعها المستمر لحوامل الطاقة من زيادة كلف الإنتاج وفقدان القدرة التنافسية للسلع السورية مع مثيلاتها في الأسواق الخارجية، وبعجز ملايين الأسر السورية عن تأمين احتياجاتها الأساسية، فالهمّ الوحيد للحكومة الاستمرار بتنفيذ سياسات “الرفع” وصولاً إلى أسعار الطاقة العالمية، ولو أدى ذلك إلى شلل الإنتاج والخدمات وإفقار العاملين بأجر أكثر فأكثر!!.
الخلاصة: بدأت نتائج “الرفع” و”الإفقار” تظهر سريعاً بإغلاق عشرات المعامل والورشات وبتسريح العمال بفعل ارتفاع التكاليف، وهذا يؤكد أن لا المواطن ولا الصناعي مسؤول عن أزمة الكهرباء، هذه الأزمة التي تتحمّل الحكومة مسؤولية عدم حلّها، سواء بالاستعانة بالدول الحليفة أو الصديقة أو باستخراج ثرواتنا النفطية من الأرض والبحر على مدى السنوات الثلاث الماضية!.