عن “رئيسي” وعالم في لحظة خطرة
أحمد حسن
قبل أيام قليلة أطلق رجل النار على رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيتسو بهدف قتله، واليوم استشهد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في “حادثة” تحطم طائرته المروحية في شمال ايران.
وإذا كان من الصعب الكلام، والحسم، الآن في السبب الحقيقي لتحطم طائرة الرئيس الإيراني، إلا أن أصواتاً عديدة لا يمكن تجاهلها قامت بالربط بين الحدثين وأخذتهما إلى أبعاد أكبر تتعلق بالمواجهة الدائرة عالمياً في هذه الأيام، خاصةً وأن موقف الرجلين من الصراع العالمي واضح للغاية، وإذا كان موقع “رئيسي” لا يحتاج لشرح وتفسير، فإن رئيس وزراء سلوفاكيا هو أحد الساسة الأوروبيين القلائل الذين يجاهرون بمناصرة روسيا في معركتها مع أوكرانيا، وبالتالي مع الغرب السياسي، بل إن لقبه “الأثير” في الصحافة الغربية هو “مؤيد روسيا”.
من هذه الأصوات كان صوت نائب رئيس وزراء صربيا ألكسندر فولين – وكان سابقاً يرأس وكالة الأمن والمعلومات في بلاده، وهذا ما يمنح كلامه مصداقية أكبر – الذي قال، حرفياً، إن الرئيس الإيراني “يُعاقب على الحرية”، وإن “زعماء العالم الحرّ” الذين يواجهون الهجمة الأمريكية “في خطر”، وهذا اتهام – إن ثبت – يدل على دخول الصراع العالمي في منعطف خطير للغاية.
أما ما يساعد في “تفهّم” هذه الأصوات فهو اجتماع عوامل عدّة على رأسها وصول الصراع على المنطقة والعالم إلى مفترق حقيقي يصبح فيه تجاوز الخطوط الحمر، على رغم خطورته، أحد أساليب الصراع المعتمدة، وما “يزكي” هذا الرأي في حالة “رئيسي” ثلاثة أمور، أولها، أن الرجل يتمتع بكاريزما خاصة، وهذا مؤشر هام لمكانته ودوره في بلاده، وبالتالي في وجهتها وأسلوبها لإدارة الصراع مع المحور المقابل، وثانيها، أنه كان، إضافة إلى موقعه المقاوم، أحد عرابي المصالحة مع قوى المنطقة الأخرى، وهذا ما يصيب المشروع الإسرائيلي – الأمريكي في مقتل، وثالثها، أن الدولة التي تحدّ ايران من جهة منطقة تحطّم المروحية تُعتبر مقرّا كبيرا للمخابرات المركزية الأمريكية والموساد الإسرائيلي في تلك المنطقة من العالم، أضف إلى ذلك حقيقة أن الكيان الصهيوني ما فتئ منذ اللحظات الأولى لفشله في مواجهة “طوفان الأقصى” وغرقه الأكيد بين سيوله المقاومة – وما سيترتب على ذلك سواء للكيان أو لشخص نتنياهو بالذات – يسعى لإشعال فتيل الحرب في المنطقة بأسرها أملاً منه بجر واشنطن إليها لتكون، بالتالي، حرب كبرى يعرف الجميع أنها ستنتهي، كما هي عادة الحروب، بتسويات وتوافقات تحفظ للمشاركين بها ومنهم نتنياهو رأسه السياسي على أقل تقدير.
والحال فإن التاريخ، البعيد والقريب، حافل بـ “الحوادث” الطبيعية، والتي اتضح لاحقاً أنها مدبّرة من قبل أجهزة الاستخبارات المعروفة، وسقط فيها زعماء ورؤساء وملوك وحتى أمين عام للأمم المتحدة جمعتهم، برغم اختلاف جنسياتهم وتواريخ موتهم، حقيقة واحدة هي معاداة المشاريع الإجرامية الغربية، والأمريكية تحديداً، في بلادهم وفي محيطهم الجغرافي والعالم بأسره، وهنا تجدر الإشارة إلى أن “رئيسي” كان موضوعاً على لائحة العقوبات الخاصة بالولايات المتحدة منذ عام 2019.
وبعيداً عن ذلك كلّه، وانتظاراً لما ستكشفه الأيام والأسابيع والأشهر القادمة عن هذا الأمر، فإنه لا يمكن إنكار حجم الخسارة التي حلت بإيران وشعبها كما بالمنطقة، ومنطق المصالحة فيها، ومحور المقاومة، الإقليمي والعالمي، لكن ما لا يمكن إنكاره أيضاً أن الشعب الإيراني سيتجاوز هذه المحنة كما اعتاد ذلك عبر تاريخه الطويل.