ما زلنا في طور التوعية بأهميتها.. أنظمة الآيزو في التعليم العالي تحتاج للقناعة والهمة!
غسان فطوم
في الحديث عن جودة التعليم العالي في الجامعات السورية الحكومية والخاصة هناك الكثير من الملاحظات والإشارات التي يمكن سردها، فبالرغم من محاولات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، والجامعات كافة لإحداث تقدّم إيجابي بهذا الخصوص، لكن ما زالت الخطوات متعثرة أو خجولة، وذلك يمكن الدلالة عليه بضعف القدرة التنافسية لمخرجات جامعاتنا رغم ما تحققه من تقدم في مختلف التصنيفات، إضافة إلى وجود هدر واضح أو فقد للموارد البشرية نظراً لسوء استثمارها بشكل جيد في مختلف المجالات، وتبقى السلبية الأكثر خطورة هي في أن ثقافة الجودة الشاملة وإدارتها ما تزال غير متوفرة عند الممسكين بأمور جامعاتنا، لذا لا بد من شحذ الهمم بالعمل الجاد على نطاق واسع من أجل تفعيل ممارسة الجودة بمعايير وأسس يكتب لها النجاح والبقاء وصولا إلى الإتقان والتميز وتحقيق الأهداف والطموحات التنموية المخطط لها حاضراً ومستقبلاً.
إشارة وإشادة
بهذا الخصوص يمكن الإشارة إلى ورشة العمل التي نظمها مركز ضمان الجودة بجامعة دمشق حول أنظمة الآيزو وأهميتها في التعليم العالي والاعتماد المؤسسي بالتعاون مع المركز السوري لخبراء الآيزو، فنظرياً هي خطوة جيدة، أما عملياً فهناك كلام آخر!.
وبحسب الدكتورة أميرة النور مديرة مركز ضمان الجودة في الجامعة أن الهدف من الورشة كان “التوعية بأهمية أنظمة الآيزو والشهادات التي يمنحها سواء في المؤسسات التعليمية وغيرها من خلال تسليط الضوء على نوعين من الآيزو ،الأول آيزو 9001، والثاني آيزو 21101، والمواصفة الثانية تعنى بالمؤسسات التعليمية وهي مواصفة الجودة الأكثر فاعلية وتأثير للمؤسسات التعليمية”، مشيرة إلى أن جامعة دمشق جادة بهذا الخصوص من أجل خلق بيئة علمية وعملية جيدة لسير العملية التعليمية داخل الجامعة.
هل يعقل؟
أستاذ جامعي علّق على ما سبق بالقول: هل يعقل بعد سنوات من الحديث عن الجودة والاعتمادية في وزارة التعليم العالي والجامعات السورية حكومية وخاصة أننا ما زلنا في طور إقامة ندوات التوعية بدلاً من الحديث عن نتائج إيجابية ذات قيمة؟!.
وقال آخر: مع تقديرنا للورشة، لكن تبقى السياسة المتبعة في جامعاتنا أو الآلية التنفيذية غير واضحة المعالم لجهة كيفية تطبيق معايير الجودة ومدى الاستفادة منها في تحسين جودة التعليم والعملية التعليمية، متسائلاً: أين التقييم والمراقبة المستمرة لعمليات التعليم، وتحسين صورة المؤسسات التعليمية وزيادة مصداقيتها التي باتت موضع انتقاد؟.
خبرة عالمية
مدير المركز السوري لخبراء الآيزو الدكتور هاني العلي رأى “أن أنظمة الآيزو حصيلة خبرة عالمية وممارسة جيدة”، مؤكداً أن تلبية متطلبات هذه المواصفات عند إدارة المؤسسة سواء كانت أكاديمية أو صناعية أو خدمية وفق منهج علمي، يؤدي بالنهاية إلى رضا المجتمع المعني بالمؤسسة، وبأن تحقيق مواصفات الآيزو في الجامعة يعطيها ميزة تنافسية وتأدية العمل بأخطاء أقل وجودة أعلى، فيما أوضحت الدكتور رنا ميّا الخبير الاستشاري في المركز أن آيزو 21001، الخاص بنظام إدارة المؤسسات التعليمية له فوائد عديدة، تركز على جوانب العملية التعليمية وتساعدها على تحسين خدماتها وجودتها بما فيها الخدمات الإدارية للطالب، مطالبة بوضع نظام متكامل لجميع المكونات اللازمة للعملية التعليمية من أجل تلبية متطلبات سوق العمل وتخريج كوادر قادرة على المنافسة محلياً وعالمياً.
قاسم مشترك
في حديث مع عدد آخر من الأساتذة كان هناك قاسم مشترك تجلى بالمطالبة بضرورة الإسراع بوضع رؤية وخطة إستراتيجية لتطبيق أنظمة الآيزو، فالملاحظ أن المهام غير محددة وتحتاج إلى تخطيط أكثر دقة وفعالية ذات جدوى، وبرأي بعضهم أن موضوع قياس الجودة لم ينل بعد الاهتمام المطلوب الكافي من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وأيضاً من قبل إدارات الجامعات والمراكز البحثية، رغم كثرة الضخ الإعلامي حوله، حيث ما زال مجرد شعارات كبيرة تحتاج إلى المزيد من العمل الجاد على الأرض لتطبيق الجودة الحقيقية، التي تبدأ بتطوير المناهج غير الملائمة، وتأهيل الكوادر التدريسية والإدارية ذات الصلة، للوصول بالنتيجة إلى مخرجات ذات جودة عالية بكل المقاييس.
توفير التمويل اللازم
بالمختصر، يجب على وزارة التعليم العالي وجامعاتنا الحكومية والخاصة والمراكز البحثية، أن تخطط بشكل جيد فيما يتعلق بالإنفاق على التعليم، أي توفير التمويل اللازم لتحقيق جودة التعليم في الجامعات، وفق أولويات تحقق بالنتيجة القيمة المضافة تعليمياً واقتصادياً، فالقاعدة الثابتة المعروفة عالمياً تقول “إن كفاءة الاقتصاد تتوقف على الكفاءة الإنتاجية للتعليم العالي”، فهل تتوفر لدى القائمين على منظومتنا التعليمية (وزارة وجامعات، ومعاهد عليا ومعاهد تقانية) الهمة والقناعة الراسخة بأهمية ودور إدارة الجودة والاعتمادية الشاملة من أجل تفعيل ممارستها عملياً وفق المعايير والأسس المعتمدة؟.
الأمل موجود، ويمكن أن يصبح حقيقة عندما تتخذ الجهات صاحبة المسؤولية كافة الإجراءات والتدابير التي تعزز وترفع من مستوى الجودة وتقلل من الأخطاء الساذجة، وتدعم المرافق العامة للمؤسسة التعليمية، وخاصة فيما يتعلق بالبنية التحتيّة لها، وغير ذلك لا يمكن تحقيق قفزات نوعية للجامعات السورية على سلم التصنيفات العالمية، وأيضاً لا يمكن الرهان على الدور البناء لمخرجات جامعاتنا في ظل التطورات المذهلة التي يعيشها العالم والتي غيرت من الدور التقليدي للجامعات!.